للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فُدَيْكٍ: كَانَ عِنْدَنَا رَجُلٌ يُكَنَّى: أَبَا نَصْرٍ مِنْ جُهَيْنَةَ، ذَاهِبُ الْعَقْلِ، فِي غَيْرِ مَا النَّاسُ فِيهِ، لا يَتَكَلَّمُ حَتَّى يُكَلَّمَ، وَكَانَ يَجْلِسُ مَعَ أَهْلِ الصُّفَّةِ فِي آخِرِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَدِمَ عَلَيْنَا هَارُونُ الرَّشِيدُ، فَأُخْلِيَ لَهُ الْمَسْجِدُ، فَوَقَفَ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى مِنْبَرِهِ، وَفِي مَوْقِفِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ، ثُمَّ قَالَ: قِفُوا بِي عَلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ، فَلَمَّا أَتَاهُمْ حَرَّكُوا أَبَا نَصْرٍ، وَقِيلَ: هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ.

فَرَفَعَ رَأْسَهُ، قَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ الَّذِي لَيْسَ بَيْنَ عِبَادِ اللَّهِ وَأُمَّةِ نَبِيِّهِ وَبَيْنَ خَلْقِ اللَّهِ غَيْرُكَ، وَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُكَ عَنْهُمْ، فَأَعِدَّ لِلْمَسْأَلَةِ جَوَابًا، وَقَدْ قَالَ عُمَرُ: لَوْ ضَاعَتْ سَخْلَةٌ عَلَى شَاطِئِ الْفُرَاتِ لَخَافَ عُمَرُ أَنْ يَسْأَلَهُ اللَّهُ عَنْهَا.

فَبَكَى هَارُونُ، ثُمَّ قَالَ: يَا أَبَا نَصْرٍ، إِنَّ رَعِيَّتِي وَدَهْرِي غَيْرَ رَعِيَّةِ عُمَرَ وَدَهْرِهِ.

قَالَ لَهُ أَبُو نَصْرٍ: هَذَا وَاللَّهِ غَيْرُ مُغِنٍ عَنْكَ، فَانْظُرْ لِنَفْسِكَ، فَإِنَّكَ وَعُمَرُ تُسْأَلانِ عَمَّا خَوَّلَكُمَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ

<<  <   >  >>