للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خَرَجَ عَطَاءٌ السُّلَيْمِيُّ إِلَى الْمَقْبُرَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَمَّا تَوَسَّطَهَا نَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ:

أَهْلَ الْمَقَابِرِ قَدْ تَسَاوَى بَيْنَكُمْ ... أَيْنَ الْوَضِيعُ مَنِ الْكَرِيمِ السَّيِّدِ؟

أَيْنَ الْمُلُوكُ بَنُو الْمُلُوكِ وَأَيْنَ مَنْ ... قَدْ كَانَ فِي الدُّنْيَا قَلِيلَ الْمَحْفِدِ؟

أَيْنَ الْحِسَانُ ذَوُو النَّضَارَةِ وَالْبَهَا ... أَيْنَ الْمَلِيحُ مِنَ الْقَبِيحِ الأَسْوَدِ؟

أَيْنَ الَّذِينَ تَجَبَّرُوا وَتَعَظَّمُوا ... وَعَتَوْا عُتُوًّا لَمْ يَكُنْ بِالْمُرْشِدِ؟

فَأَجَابَهُ مُجِيبٌ مِنْ قَبْرٍ:

إِنَّ الْمَنِيَّةَ عَاصَفَتْهُمْ بَغْتَةً ... فَهُمُ خُمُودٌ جَوْفَ قَبْرٍ مُلْحَدِ

قَدْ دَبَّتِ الدِّيدَانُ فِي أَجْسَادِهِمْ ... وَسَعَتْ هَوَامُّ الأَرْضِ فِي الْوَجْهِ النَّدِي

كَمْ مِنْ وُجُوهٍ قَدْ تَنَاثَرَ لَحْمُهَا ... وَمَفَاصِلٌ بَانَتْ وَبَانَ مِنَ الْيَدِ

وَبَاتَ بَعْضُ الْعُبَّادِ فِي بَعْضِ الْمَقَابِرِ لَيْلَةً فَهَتَفَ بِهِ هَاتِفٌ فِي آخِرِ اللَّيْلِ:

وَقِفْ بِالْقُصُورِ عَلَى دِجْلَةَ ... حَزِيَنًا وَقُلْ: أَيْنَ أَرْبَابُهَا؟

وَأَيْنَ الْمُلُوكُ وُلاةُ الْعُهُودِ ... رُقَاةُ الْمَنَابِرِ غِلابُهَا؟

تُجِيبُكَ آثَارُهُمْ عَنْهُمْ ... إِلَيْكَ فَقَدْ مَاتَ أَصْحَابُهَا

وَأَنْشَدَ بَعْضُهُمْ عِنْدَ الْمَقَابِرِ:

أَلا يَا عَسْكَرَ الأَحْيَاءِ ... هَذَا عَسْكَرُ الْمَوْتَى

أَجَابُوا الدَّعْوَةَ الصُّغْرَى ... وَهُمْ مُنْتَظِرُو الْكُبْرَى

يَحَثُّونَ عَلَى الزَّادِ ... وَلا زَادَ سِوَى التَّقْوَى

يَقُولُونَ لَكُمْ جِدُّوا ... فَهَلا عَمَّرْتُمُ الأُخْرَى

<<  <   >  >>