حَيٍّ فِي الْبَرِّيَّةِ، فَإِذَا بَأَعْرَابِيَّةٍ وَعِنْدَهَا شَاةٌ، فَقُلْنَا لَهَا: بِكَمْ هَذِهِ الشَّاةُ؟ فَقَالَتْ: بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا.
فَقُلْنَا لَهَا: أَحْسِنِي.
فَقَالَتْ: بِخَمْسَةِ دِرَاهِمَ.
فَقُلْنَا لَهَا: تَهْزَئِينَ، فَقَالَتْ: لا وَاللَّهِ، وَلَكِنْ سَأَلْتُمُونِي الْإِحْسَانَ، وَلَوْ أَمْكَنَنِي لَمْ آخُذْ شَيْئًا.
فَقَالَ ابْنُ الْجَلاءِ: أَيْشِ مَعَكُمْ؟ قُلْنَا: سِتُّ مِائَةِ دِرْهَمٍ.
فَقَالَ: أَعْطُوهَا وَاتْرُكُوا الشَّاةَ عَلَيْهَا، فَمَا سَافَرْنَا سَفْرَةً أَطْيَبَ مِنْهَا "
أَخْبَرَنَا الْمُحَمَّدَانِ: ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَابْنُ نَاصِرٍ، قَالا: أَنْبَأَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خَيْرُونَ، قَالَ: قَرَأَ عَلَى ابْنِ شَاذَانَ، أَنَّ أَحْمَدَ بْنَ كَامِلٍ، أَخْبَرَهُمْ، أَنْبَأَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، أَنْبَأَنَا الْأَصْمَعِيُّ، قَالَ: أَنْبَأَنَا شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ، قَالَ: " كُنَّا بِطَرِيقِ مَكَّةَ وَبَيْنَ أَيْدِينَا سُفْرَةٌ لَنَا نَتَغَدَّى فِي يَوْمٍ قَائِظٍ، فَوَقَفَ عَلَيْنَا أَعْرَابِيٌّ وَمَعَهُ جَارِيةٌ لَهُ زِنْجِيَّةٌ، فَقَالَ: يَا قَوْمُ، أَفِيكُمْ أَحَدٌ يَقْرَأُ كَلامَ اللَّهِ حَتَّى يَكَتُبَ لِي كِتَابًا؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: أَصِبْ مَنْ غَدَائِنَا حَتَّى نَكْتُبَ لَكَ مَا تُرِيدُ.
قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ.
فَعَجِبْنَا مِنْ صَوْمِهِ فِي تِلَكَ البَرِّيَّةِ، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ غَدَائِنَا، دَعَوْنَا بِهِ فَقُلْنَا: مَا تُرِيدُ؟ فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، إِنَّ الدُّنْيَا قَدْ كَانَتْ وَلَمْ أَكُنْ فِيهَا، وَسَتَكُونُ وَلا أَكُونُ فِيهَا، وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَعْتِقَ جَارِيَتِي هَذِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ لِيَوْمِ الْعَقَبَةِ، تَدْرِي مَا يَوْمُ الْعَقَبَةِ؟ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ {١١} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ {١٢} فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١١-١٣] .
اكْتُبْ مَا أَقُولُ لَكَ وَلا تَزِدْ عَلَيَّ حَرْفًا: هَذِهِ فُلانَةُ خَادِمَةُ فُلانٍ، قَدْ أَعْتَقَهَا لِوَجْهِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِيَوْمِ الْعَقَبَةِ.
قَالَ شَبِيبٌ: فَقَدِمْتُ الْبَصْرَةَ وَأَتَيْتُ بَغْدَادَ، فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمَهْدِيَّ، فَقَالَ: مِائَةُ نَسَمَةٍ تُعْتَقُ عَلَى عُهْدَةِ الْأَعْرَابِيِّ "
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute