المسمومِ الطيب للخلاصِ من شرِّ سُمِّه بعلاج أو غيره، وهو في غايةِ الحمقِ
والجهلِ، فقدْ لا يتمكنُ من التخلصِ منه بالكليةِ، فيقتلُهُ سمّه، وقد لا
يتخلصُ منه تخلصًا تامًّا فيطولُ مرضُهُ، وكذلكَ المذنبُ قد لا يتمكنُ من
التوبةِ، فإنَّ من وقعَ في ذنبٍ تجرَّأ عليه عمرَهُ وهان عليه خوضُ الذنوبِ
وعَسُرَ عليه الخلاصُ منها ولهذا قيل: "من عقوبةِ الذنب: الذنبُ بعدَهُ ".
وقد دلَّ على ذلك القرآنُ في غيرِ موضع، وإذا قُدِّرَ أنه تابَ منه فقدْ لا
يتمكنُ من التوبةِ النصوح الخالصةِ التي تمحو أثرَه بالكليةِ، وإنْ قدِّر أنه تمكنَ
من ذلكَ، فلا يقاومُ اللذةَ الحاصلةَ بالمعصيةِ ما في التوبةِ النصوح المشتملةِ
على النَّدمِ والحزنِ والخوفِ والبكاءِ وتجشم الأعمالِ الصالحةِ؛ من الألم
والمشقةِ، ولهذا قال الحسنُ:
"تركُ الذنبِ أيسرُ من طلبِ التوبةِ"
ويكفي المذنبُ ما فاته في حالِ اشتغالِهِ بالذنوبِ من الأعمالِ الصالحةِ الَّتي كانَ يمكنُه تحصيلَ الدرجاتِ بها.
وقد اختلفَ الناسُ في التائبِ، هل يمكنُ عودُهُ إلى ما كانَ عليه قبل
المعصية؟
على قولينِ معروفينِ، والقولُ بأنه لا يمكنُ عودُهُ إلى ما كانَ عليه
قولُ أبي سليمان الدَّرانيّ وغيرِهِ، وكذلكَ اختلفُوا في التوبةِ إذا استكملتْ
شروطَها، هل يُجزمُ بقبولها؟
على قولين: فالقاضي أبو بكر وغيرُهُ من المتكلمينِ على أنَّه لا يُجزمُ بذلك، ولكنَّ أكثرَ أهلِ السنةِ والمعتزلةِ وغيرَهم على أنه يُقطعُ بقبولها، وإنْ قُدِّر أنه عفِيَ عنه من غيرِ توبةٍ فإنْ كانَ ذلك بسببِ أمرٍ مكفرٍ عنه كالمصائبِ الدنيويةِ، وفتنةِ القبرِ، وأهوالِ البرزخ، وأهوالِ الموقفِ، ونحوِ ذلكَ، فلا يستريبُ عاقلٌ أن ما في هذه الأمورِ من الآلامِ والشدائدِ أضعاف أضعاف ما حصلَ في المعصيةِ من اللذةِ.
وإنْ عُفِيَ عنه بغيرِ سببٍ من هذه الأسباب المكفرةِ ونحوِها، فإنه لابَّد أن