للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بكبرٍ، واحتقارُ الناسِ مع رثاثةِ اللباسِ كبر.

وقد رُويَ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّه كانَ ماشيًا في طريقٍ وهناكَ أمة سوداءُ، فقال لها رجل: الطريقَ الطريقَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فقالتْ: الطريقُ يمنةً ويسرةً، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:

"دعُوهَا فإنَّها جبَّارةٌ"

خرَّجهُ النسائيُّ وغيرُه، وفي روايةِ الطبرانيِّ قالُوا:

يا رسولَ اللَّهِ إنها يعني مسكينة، قالَ:

"إنَّ ذاكَ في قلبها"

يعني أنَّ الكبرَ في قلبهَا وإنْ كانَ لباسهَا لباسَ المساكينِ.

وقالَ الحسنُ: إن قومًا جعلوا التواضعَ في لباسِهم والكبرَ في صدورهم إن

أحدَهم أشدُ كبرًا بمدرعتهِ من صاحبِ السريرِ بسريره، وصاحبِ المنبرِ بمنبرِهِ، قالَ أحمدُ بنُ أبي الحواريّ: قالَ لي سليمانُ بنُ أبي سليمانَ

وكانَ يعدلُ بأبيه: أيَّ شيء أرادوا بثيابِ الصوفِ؟

قلت: التواضعَ، قالَ: وما يتكبرُ أحدُهم إلا إذا لبسَ الصوفَ؟

وقالَ أبو سليمانَ: يكونُ ظاهرُكَ قطنيا وباطنكَ صوفيًا.

وقالَ أبو الحسينِ ابن بشارِ: صوِّف قلبَكَ والبس القوهيَ على القوهي يعني رفيعَ الثيابِ، فمتَى أظهرَ الإنسانُ لباسَ المساكينِ لدعوى الصلاح ليشتهرَ بذلكَ عندَ الناسِ كانَ ذلكَ كبرًا ورياءً، ومن هُنا تركَ كثيرٌ من السلفِ المخلصينَ اللباسَ المختصَّ بالفقراءِ والصالحينَ وقالُوا: إنه شهرة، ولما قدمَ سيارُ أبو الحكم البصرةَ لزيارةِ مالك بنِ دينار، لبسَ ثيابًا حسنةً ثمَ دخلَ المسجدَ فصلَّى صلاةً حسنةً فرآه مالكٌ ولم يعرفْهُ فقالَ له: يا شيخُ إنِّي أرغبُ بك عن هذه الثيابِ مع هذه الصلاةِ، فقالَ له: يا مالك ثيابي هذه تضعُني عندكَ أم ترفعُني؟

<<  <  ج: ص:  >  >>