عساكر عظيمة جدا فتلقاهم حق الدين وقاتلهم، فقتل عمه «ملا أصفح» بن على ابن صبر الدين محمد بن عمر ولسمع، واستأصل حق الدين العساكر فلم ينج منهم إلا القليل وغنم ما معهم.
وسار إلى مدينة أوفات وبها جدّه على بن صبر الدين وقد اشتد حزنه على ولده «ملا أصفح» فإنه كان أعز أولاده عنده وكان هو القائم بأمر الدولة وتدبير الأمور، وتزايد مع ذلك حنقه على حق الدين وبغضه إياه إلا أن ضرورة الحال اقتضت كفه عنه لعجزه عن مقاومته، فتأدب حق الدين مع جده وأقرّه على ولاية أوفات، فأمده عند ذلك بمال حمله إليه، وسار حق الدين ومعه عن أوفات وأخرج معه أيضا أهلها إلا ... «١» ونزل بأرض شوة وبنى هناك مدينة سماها «وجل» ، وأنزل بها أهل أوفات وجعلها دار ملكه، فتلاشت من حينئذ مدينة أوفات واتضعت حتى خربت، وكان حق الدين هذا أول من خالف من أهل بيته على الحطى ملك أمحرة من الحبشة الكفرة.
وخرج من طاعته وهو أول من استبد منهم بالأمر وما زال يحارب الحطى وعساكره ويأسر منهم ويغنم إلى أن مات الحطى «سيف أرعد» ، وأقام بعده بأمر الحبشة ابنه الحطى داربت وهو داود بن سيف أرعد، فاستمر حق الدين على محاربته إياه والله يؤيده بنصره على أمحرة، بحيث إنه كانت له فيهم بضع وعشرون وقعة في مدة تسع سنين، آخرها أنه سار إليهم وقاتلهم قتالا شديدا، استشهد فيه سنة ست وسبعين وسبعمائة بأرض شوة ولم يوجد مع القتلة وكانت مدة سلطنته نحو عشر سنين، وكان شجاعا مقداما قوى النفس عجولا مهابا، وقام من بعده أخوه سعد الدين أبو البركات محمد بن على بن صبر الدين محمد ولخوى ابن منصور بن عمرو لسمع.
فمضى على سيرة أخيه حق الدين في جهاد أمحرة الكفرة لكن بتؤدة وسياسة حسنة، فكثرت عساكره وتعددت غاراته واتسعت مملكته، فقاتل مرة في اثنين وسبعين فارسا فكسرهم، ثم ظفر به العدو بعد ذلك في موضع يقال له: أهبرة، وربطوه وساقوه إلى كبيرهم، فأدركه أحد فرسانه وقاتل من معه حتى خلصه من أيديهم، وأركبه فرسه ورده إلى أصحابه، فجمعهم وجد في جهاد أمحرة، ولقى ابن مر