هم الذين زين الله تعالى ظاهرهم بآداب الخدمة ونوّر بواطنهم بنور اليقين والمعرفة وجعلهم راحة لعباده.
وقال القرطبى بعدما ذكر قول قتادة: وقيل: إن يوسف لم يتمن الموت، وإنما تمنى الوفاة على الإسلام: إذا جاء أجلى توفنى مسلما، وهذا قول الجمهور، ثم ذكر الأحاديث الواردة في النهى عن تمنى الموت «١» وقال: إذا ثبت هذا فكيف يقال: إن يوسف تمنى الموت والخروج من الدنيا وقطع العمل، هذا بعيد إلا أن يقال: إن ذلك كان جائزا في شرعته، انتهى.
وقد أثنى تعالى على الذين يدعونه فيقولون: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
وسماهم راسخين في العلم، ومعلوم أن أحدا لا يدعو فيقول: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
«٢» .
ومعلوم أن أحدا لا يدعو فيقول: رب لا تسلبنى سمعى وبصرى بعدما جعلتهما لى، إلا وهو خائف عليهما وجل من ذهابهما، فلما أثنى الله تعالى على الداعين إياه بذلك كان الثناء في الحقيقة بما استحقوه بمعرفتهم عند النعمة عليهم في هداية الله إياهم للإسلام، وصانهم بها، وخوفهم أن يسلبوها، وهذا أصرح شىء فى الحث على طلب خاتمة الخير.
وقال تعالى حكاية عن أهل الجنة أنهم يقولون: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ.
«٣» فروى أنهم كانوا مشفقين من أن يسلبوا الإسلام فيوردوا يوم القيامة موارد الأشقياء، وكانوا يدعون الله تعالى أن لا يفعل بهم ذلك، فلما كانوا مشفقين أن يسلبوا الإسلام جزاهم ربهم سبحانه وتعالى بإشفاقهم عن دينهم الناشئ عن حبهم إياه، وعرفانهم قدره، أن ثبتهم عليه حتى إذا هم في الآخرة إلى رضوانه، وحلول دار المقامة من جناته، وقال تعالى: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً