ومثل ذلك أيضًا لبس الرجال الحرير والتختم بالذهب، فإن ذلك عند الحنفية مكروه تحريما؛ لأن طلب الكف عنهما كان طلبا حتميا لكنه بدليل ظني، هو حديث آحاد، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم: "هذان حرام على رجال أمتي حلال لنسائهم" مشيرا إلى الذهب والحرير. وأما المكروه تنزيها فهو ما طلب الشارع الكف عن فعله طلبا غير حتمي. والفرق عند الحنفية بين الحرام والمكروه تحريما، أن الحرام هو ما طلب الشارع الكف عن فعله طلبا حتميا ملزما بدليل قطعي -كالقرآن الكريم- كالزنا والقتل، وشرب الخمر. وأما المكروه تحريما فهو مع اشتراكه مع الحرام في أن كلا منهما طلب الشارع الكف عن فعله طلبا حتميا ملزما فإنه يختلف عنه في أن الدليل في الحرام دليل قطعي كالقرآن والسنة المتواترة، وأما الدليل في المكروه تحريما فهو دليل ظني كخبر الواحد، والقياس. وجمهور العلماء غير الحنفية لا يقسمون المكروه هذا التقسيم، فعندهم المكروه قسم واحد هو ما طلب الشارع من المكلف الكف عنه من غير تحتيم. والحنفية يرون أن تولية المرأة القضاء من قبيل المكروه تحريما لثبوت الدليل في ذلك في حديث آحادي هو قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". وفاعل المكروه تحريما يستحق العقاب عند الحنفية كفاعل الحرام، والفرق أن منكر الحرام يكفر؛ لأن دليله قطعي، ومنكر المكروه تحريما لا يكفر، لاتفاق العلماء على أن منكر ما كان دليله ظنيا لا يكفر. أصول الفقه الإسلامي للدكتور أبو العينين، ص٢٧٣، وأصول الفقه الإسلامي للأستاذ زكريا البري، ص٢٧٣، دار إحياء التراث العربي.