يجب أن نذكر في ختام الكلام عن القرينة وآراء العلماء فيها من حيث كونها وسيلة إثبات أم لا، أن الفقهاء من المذاهب الفقهية الأربعة عملوا بالقرائن في مسائل كثيرة، وإليك بعضا من هذه المسائل:
المسألة الأولى: يرى الفقهاء جميعا جواز اتصال الرجل جنسيا بالمرأة التي أهديت إليه ليلة الزفاف, إذا كان لا يعرفها وإن لم يشهد عنده عدلان من الرجال أن هذه فلانة بنت فلان التي عقد عليها، وإن لم يستنطق النساء أن هذه زوجته، وذلك اعتمادا على القرينة الظاهرة المنزلة منزلة الشهادة، وممن بيّن ذلك الشافعية في كتبهم، فنجد الرملي أحد فقهاء الشافعية يبين في مجال الكلام عن شروط الشاهد أنه يشترط فيه الإبصار فلا تقبل شهادة الأعمى لا على فعل كالزنا، والغصب والرضاع والولادة والإتلاف، ولا على قول كالعقود والفسوخ لانسداد طريق المعرفة مع اشتباه الأصوات وإمكان التصنع فيها، ثم يبين جواز وطء الأعمى لزوجته اعتمادًا على قرينة. فيقول:"وإنما جاز له وطء زوجته اعتمادا على صوتها لكونه أخف، ولذا نص الشافعي على حل وطئها اعتمادا على لمس علامة يعرفها فيها، وإن لم يسمع صوتها، وعلى أن من زفت له زوجته أن يعتمد قول امرأة: هذ زوجتك، ويطؤها. بل ظاهر كلامهم جواز اعتماده على قرينة قوية أنها زوجته وإن لم يخبره أحد بذلك"١.
الثانية: جواز الاعتماد على قول الصبيان المرسل معهم بالهدايا، وأنها مرسلة إليهم، فتقبل أقوالهم ويجوز أكل الطعام المرسل به.
١ نهاية المحتاج للرملي إلى شرح المنهاج، للنووي، ج٨، ص٢٩٩.