للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

آراء الفقهاء في العمل بالقرينة في الحدود: ١

اختلف الفقهاء في هذا على رأيين:

الرأي الأول: يرى المالكية اعتبار القرائن في الحدود٢، ويوافقهم على هذا الرأي ابن القيم الفقيه الحنبلي المشهور٣ وروى الحنابلة رواية عن أحمد تقول بوجوب الحد بوجود رائحة الخمر من فم شخص، ومع أنهم ذكروا رواية عن أحمد تقول إنه لا يحد بالسكر أو بتقايؤ الخمر، لاحتمال أن يكون مكرها، أو لم يعلم أنها تسكر، إلا أن ابن قدامة قال: "ورواية أبي طالب عنه "أي: عن أحمد" في الحد بالرائحة تدل على وجوب الحد ههنا بطريق الأولى". لأن ذلك لا يكون إلا بعد شربها، فأشبه ما لو قامت البينة عليه بشربها٤.

الرأي الثاني: يرى الحنفية، والشافعية، والحنابلة عدم اعتبار القرائن وسائل إثبات في الحدود٤.


١ إذا كان المتهم بجريمة القذف زوجا ورمى زوجته بالزنا، فمن الممكن درء الحد عنه إذا لاعن زوجته، وإذا لم يكن زوجا فلا بد أن يشهد أربعة شهود على أن جريمة الزنا وقعت، وإلا عوقب بعقوبة القذف.
٢ قال المالكية: إن المرأة إذا ظهر بها حمل ولم يعرف لها زوج، أو كانت أمة "أي: جارية" وكان سيدها منكرا لوطئها فإنها تعاقب عقوبة الزنا، ولا يقبل دعواها الغصب على ذلك بلا قرينة تشهد لها بذلك، ولا دعواها أن هذا الحمل سببه وجود مني في الحمام، ولا من اتصال جني بها، إلا لقرينة مثل كونها عذراء، وهي من أهل العفة. وقال مالك في الموطأ: الأمر عندنا في المرأة توجد حاملا ولا زوج لها، فتقول: قد استكرهت، أو تقول: تزوجت، أن ذلك لا يقبل منها وأنها يقام عليها الحد، إلا أن يكون لها على ما ادعت من النكاح بينة، أو على أنها استكرهت. وصرح المالكية بأنه إذا شهد عدلان أنهما شما رائحة الخمر من إنسان يجب إقامة حد الشرب عليه، وكذلك لو شهدا بأنه تقايأها.
موطأ مالك وشرحه تنوير الحوالك للسيوطي، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، للدردير، ج٤، ص٣٠٩، والشرح الصغير، ج٤، ص٥٠١، ٥٠٢.
٣ الطرق الحكمية، ص٦.
٤ المغني، ج٨، ص٣٠٩.
٥ مغني المحتاج، ج٤، ص١٤٩، ١٥٠، حيث حصر الشافعية وسائل إثبات جريمة الزنا في البينة والإقرار, وص١٩٠ حيث صرحوا بأنه لا يحد بريح الخمر, والسكر, والقيء, وإنما يحد بالإقرار أو الشهادة، وانظر المغني، ج٨، ص١٩١، ص٣٠٩، وفتح القدير، ج٥، ص٢١٣، وص٣٠٨، ونيل الأوطار، ج٦، ص١٦٠.

<<  <   >  >>