بين العلماء ان الهدية للقاضي تكون حرامًا إذا كانت ممن له خصومة عند القاضي، أو من غلب على ظنه بأنه سيخاصم.
وكذلك تحرم الهدية إذا كانت ممن لم يهد إليه شيئا قبل أن يتولى القضاء, أو كان له عادة في الإهداء إليه لكنه زاد عليها قدرا من أجل توليه هذا المنصب؛ لأنها -كما قال العلماء- توجب الميل القلبي إلى المهدي، وقد ثبت في الأحاديث الصحيحة "هدايا العمال سحت". وأما قبول النبي -صلى الله عليه وسلم- للهدايا فكان ذلك؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- معصوم من الوقوع في الحكم بالميل إلى أحد الخصوم.
وبيّن العلماء أنه لو أعطي للقاضي مال ليحكم بغير الحق, أو ليمتنع من حكم بحق، فهذا هو الرشوة المحرمة بإجماع علماء الأمة. ومثل ذلك ما لو كان القاضي يمتنع من الحكم بالحق إلا إذا أخذ مالا. لكن ذلك مع كونه حرامًا إلا أنه كما بين العلماء أقل إثما، وقد لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي في الحكم. وفي رواية "والرائش" وهو الماشي بينهما.
ورخص بعض العلماء في الرشوة إذا كانت لو لم يدفعها صاحب الحق فسيضيع عليه ماله بالباطل, فتكون رخصة لصاحب الحق وحراما على المرتشي.
وحكم الرائش أي: الواسطة بينهما هو حكم موكله، وأما إذا كانت الهدية ممن عادته أنه كان يهدي إلى القاضي قبل أن يتولى منصب القضاء، وقبل أن يترشح لهذا المنصب، لقرابة أو لصداقة مثلا، ولا توجد خصومة للمهدي حاضرة أمام القاضي ولا مترقبة، فتجوز الهدية إن كانت بقدر ما تعود المهدي سواء أكان ذلك من ناحية الكم أو الكيف؛ وذلك لأن التهمة -أي: الشك والريبة- منتفية حينئذ، بخلاف ما إذا كانت بعد الترشيح لهذا المنصب أو مع الزيادة على العادة، فتكون حراما في الجميع إن كانت الزيادة في الوصف, كأن كان يهديه قماشًا من قطن فأهدى إليه صوفا، فإن كانت في القدر ولم تتميز حرم الجميع كذلك. وأما إذا تميزت الزيادة، فإنه يحرم الزيادة فقط١.
هذا وسنعود إلى هذا الموضوع مرة أخرى في الفصل الرابع إن شاء الله تعالى.