للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[ما يجوز التحكيم فيه وما لا يجوز]

تنقسم المنازعات من حيث جواز التحكيم وعدم جوازه إلى قسمين:

١- قسم اتفق العلماء على جواز التحكيم فيه، ويشمل الحقوق المالية وعقود المعاوضات، وما يصح فيه العفو والإبراء١.

٢- قسم اختلف العلماء فيه، هل يجوز التحكيم فيه أم لا، وهو ما عدا ما ذكرنا كالزواج، واللعان، والقذف، وبقية الحدود والقصاص، وإليك تفصيل الكلام في هذا.

اتفقت الروايات في الفقه الحنفي على أنه لا يجوز التحكيم في الحدود الواجبة حقا لله تبارك وتعالى "كحد السرقة، وحد الزنا، وحد شرب الخمر، وذلك لأن رئيس الدولة أو من ينيبه هو المتعين لاستيفائها. وهذا الرأي -كما قلنا- باتفاق الروايات في الفقه الحنفي، وهو أيضًا ما يراه فقهاء المالكية٢. وفقهاء الشافعية، وقد صرح الشافعية بأن التعزير أيضًا -وهو العقوبة غير المقدرة- إذا كان حقا لله تبارك وتعالى لا يجوز التحكيم فيه٣.

وتكون عقوبة التعزير واجبة حقا لله تعالى في الجرائم، التي تتعلق بالاعتداء على الدين أو حياة الناس العامة، كما في سب الأديان غير الإسلام، أو إلقاء القاذورات في الطريق العام، أو إغراء الناس بالفساد كراقصة في الشارع العام، أو محلات لبيع، أو تأجير أشرطة "الفيديو" لتي تشيع الانحلال الأخلاقي، فهذه من حقوق الله تبارك وتعالى التي يجب تعزير فاعليها٤.

ويرى الرملي من فقهاء الشافعية أن حق الله المالي الذي لا طالب له معين كالكفارات والزكاة لا يجوز فيه أيضًا؛ لأنه يشترط مع حد الله تعالى والتعزير إذا كان حقا له سبحانه وتعالى بأن لا طالب معين لهما، وصرح بعض فقهاء الحنابلة بأنه يجوز التحكيم في الحدود وغيرها٥.


١ ما يصح فيه الإبراء، كدين القرض، والثمن، والأجرة، والمهر، وبدل الخلع، وضمان المتلفات.
٢ حاشية الدسوقي، ج٤، ص١٣٦.
٣ نهاية المحتاج، ج٨، ص٢٤٢.
٤ منهاج الطالب في المقارنة بين المذاهب لأستاذنا الدكتور عبد السميع أحمد إمام رحمه الله تعالى، ص٢٨٤.
٥ كشاف القناع عن متن الإقناع، للبهوتي، ج٦، ص٣٠٣.

<<  <   >  >>