للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الشرط السادس من شروط القاضي: العدالة]

[توضيح معنى العدالة عند العلماء]

...

[الشرط السادس من شروط القاضي: العدالة]

ليس المقصود بالعدالة هنا أن يكون الشخص عادلا في أحكامه, كما قد يتبادر إلى ذهن القارئ الذي ليس له دراية بأساليب الفقهاء، بل لهذه الكلمة معنى آخر يريده العلماء، فعندما يشترط العلماء العدالة في الشخص، فإنهم يقصدون بها استعدادا ذاتيا يمنعه من ارتكاب الجرائم والمخالفات التي نهى الشرع عنها، بل ويقصدون أيضًا أن استعداده الذاتي يمنعه من فعل الأمور التي لم ينه الشرع عنها لكنها لا تليق بأمثاله بحسب عرف الناس في زمانه ومكانه.

[توضيح معنى العدالة عند العلماء]

اختلفت عبارات العلماء في توضيح حقيقة العدالة، فال بعض العلماء من الحنفية، من لم يطعن عليه في بطن ولا فرج فهو عدل، أي: إنه لم يتهم بأكل الحرام كالربا والسرقة، والعصب، وأكل مال اليتيم، وما شابه هذا، ولم يتهم بالزنا، وقال بعض العلماء من الحنفية من لم يعرف عليه جريمة في دينه فهو عدل، وقال بعضهم أيضا من يجتنب الكبائر، وأدى الفرائض، وغلبت حسناته سيئاته فهو عدل١، وعرفها ابن الحاجب بأنها محافظة دينية تحمل على ملازمة التقوى والمروءة، ليس معها بدعة، وبين ابن الحاجب أنها تتحقق باجتناب الكبائر، وترك الإصرار على الصغائر، وبعض الصغائر، وبعض المباح٢.

ونقل ابن السبكي٣ عن بعض العلماء قوله: "لا بد عندي في العدالة من وصف آخر لم يتعرضوا إليه، وهو الاعتدال عند انبعاث الأغراض حتى يملك نفسه عن اتباع هواه.

فإن المتقي للكبائر والصغائر الملازم لطاعة الله وللمروءة قد يستمر على ذلك ما دام سالما من الهوى، فإذا غلب هواه خرج عن الاعتدال, وانحل عصام التقوى فقال ما يهواه، وإبقاء هذا الوصف هو المقصود من العدل، كما يشير إليه قوله


١ بدائع الصنائع للكاساني. ج٦، ص٢٦٨.
٢ بيان المختصر، شرح مختصر ابن الحاجب، لمحمود بن عبد الرحمن بن أحمد الأصفهاني، ج٩، ص٦٩٦. تحقيق دكتور محمد مظهر.
٣ الأشباه والنظائر، لعبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي المتوفى سنة ٧٧١هـ، ج، ص٤٥، تحقيق عادل أحمد عبد الموجود، وعلي محمد عوض. دار الكتب العلمية ببيروت.

<<  <   >  >>