جرت عادة العلماء عندما يتعرضون لبيان معنى كلمة من الكلمات التي استعملت في مجال بيان الأحكام الشرعية، مثل: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، والزواج، والطلاق، والبيع، والإجارة، وغير ذلك من كلمات كانت موضوعًا للبحوث الفقهية، جرت عادتهم كمدخل للكلام عنها أن يوضحوا معناها في اللغة العربية أولا، ثم يبينوا بعد ذلك معناها عند علماء الشريعة، وهو ما
يعبرون عنه بمعناها في الاصطلاح؛ وذلك لأن الشريعة الإسلامية جاءت في بيئة عربية، فاقتضت حكمة الله -تبارك وتعالى- أن يكون كتابه الكريم بلغة العرب، وهو المصدر الأول للتشريع، والمصدر الثاني بعد الكتاب الكريم هو السنة النبوية الشريفة، والسنة هي أقوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله وتقريراته، والرسول -صلى الله عليه وسلم- عربي يتكلم العربية، وكان من الطبيعي أن تستعمل الشريعة الإسلامية ألفاظًا كان العرب يستعملونها قبل ورود الشريعة، وفي كثير من الأحوال كان استعمال الشريعة للفظ العربي في معنى مختلف عن المعنى الذي كان العرب يستعملونه فيه قبل ورود الشريعة، وذلك واضح في ألفاظ مثل: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، وغير ذلك، فلفظ الصلاة قبل مجيء الإسلام كان يستعمل عند العرب في معنى الدعاء. ولكن عندما جاء الإسلام استعمل في أقوال وأفعال مخصوصة مفتتحة بالتكبير، مختتمة بالتسليم بشروط مخصوصة، ولفظ الزكاة استعمل في لغة العرب بمعنى النماء، وبمعنى التطهير، فيقال مثلا: زكا الزرع، ويكون المعنى نما الزرع، ويقال: زكت نفس فلان، ويكون المعنى طهرت نفس فلان، ولكن
الشريعة استعملت لفظ الزكاة في مال مخصوص يخرج من مال مخصوص ليدفع إلى طائفة خاصة، وهكذا في لفظ الصيام، ولفظ الحج،