للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الوسيلة الثامنة من وسائل الإثبات: القرينة القاطعة عند الجمهور]

[مدخل]

...

[الوسيلة الثامنة من وسائل الإثبات: القرينة القاطعة عند الجمهور]

تمهيد:

إذا وجدنا شخصا سكران، أو وجدناه يتقايأ الخمر فهذه قرينة تفيد الظن الغالب الذي يقرب من اليقين أنه شرب الخمر متعمدا، وإذا وجدت امرأة حامل ليس لها زوج فهذه قرينة تفيد الظن الغالب الذي يقرب من اليقين كذلك أن هذه المرأة زانية، وإذا رأينا إنسانا ممسكا بسكين ملوثة بالدماء وقد خرج من دار مضطربا ممتقع اللون خائفا، فدخلنا الدار فور خروجه فوجدنا قتيلا مضرجا في دمائه, ولا يوجد في الدار غير هذا الرجل الذي خرج، فهذه قرينة تفيد الظن الغالب أيضًا الذي يقرب من اليقين أن هذا الرجل الذي خرج بهذه الحال هو الذي قتل القتيل، وإذا سكتت البكر عند أخذ إذنها في الزواج، فهذا يعد قرينة تفيد رضاها بالزواج، وإذا قبض الموهوب له الهبة مع حضور المالك وسكوته فإن هذا يعد قرينة تفيد الإذن بالقبض، وإذا وجدنا بقعة دم من فصيلة دم القتيل على ملابس المتهم، أو وجدت بصمته على السلاح المستعمل في الجريمة فهذا يعد قرينة تفيد الظن الغالب الذي يقرب من اليقين أن المتهم هو فاعل الجريمة، هذا وقد اتفق العلماء على أنه لا يجوز للقاضي أن يحكم في أية قضية, إلا إذا وجدت الحجة التي يثبت بها الحق، واتفقوا أيضًا على أن الإقرار، والبينة، واليمين، والنكول، حجج شرعية يعتمد عليها القاضي في قضائه ويعول عليها في حكمه١، ولكنهم مختلفون في القرائن القاطعة هل تصلح وسيلة من وسائل الإثبات أم لا، والملاحظ أن فقهاءنا القدامى -رضي الله عنهم- قد تعرضوا في كتبهم لوسائل الإثبات، وأفردوا لكل منها بحثا مستقلا، كالشهادة، والإقرار، والنكول عن اليمين، وغيرها، لكنهم لم يذكروا القرائن صراحة في طرق الإثبات، ولم يخصوها ببحث مستقل، إلا أنهم أخذوا بها في الجملة في مسائل كثيرة من الفقه الإسلامي، ومنها مسائل متفق عليها بين الأئمة الأربعة، ويمكن القول بأن جمهور العلماء يرون أن القرينة القاطعة إحدى وسائل الإثبات في الجملة وإن كان قد حدث خلاف بينهم في بعض الجزئيات، وأما الذين لا يرون أنها وسيلة من وسائل الإثبات فهم عدد قليل من العلماء١.

وإليك أولا تعريف القرينة، وأنواعها، ثم تتبع ذلك بذكر آراء العلماء فيها، وأدلتهم، وشروط العمل بها عند القائلين بها، ومجال القضاء بها.


١ مقارنة المذاهب في الفقه للشيخين محمود شلتوت، ومحمد علي السايس، ص١٣٧.

<<  <   >  >>