للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هل تقبل شهادة الفاسق إذا تاب؟

اتفق العلماء على أن الفاسق إذا عرفت توبته مما كان سببا في فسقه من أي جريمة تذهب العدالة، كالقتل، والزنا، والسرقة، وأكل الربا، ونحو ذلك، فإنه تقبل شهادته إلا من كان فسقه بسب جريمة القذف، وهي الرمي بالزنا على جهة التعيير أو نفي النسب، لا على جهة الشهادة، فقد اختلف العلماء في القاذف إذا تاب هل تقبل شهادته أما لا؟ ١.

فيرى جمهور العلماء قبول شهادته، ويرى أبو حنيفة عدم قبولها.

وسبب الخلاف بينهم أن الاستثناء الواقع في قول الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ، إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ٢. هل يعود إلى أقرب مذكور إليه، وهو الفسق أو يعود


١ صرح بعض فقهاء الحنابلة بأن لا يشترط في التوبة إصلاح العمل, بل يكفي مجرد التوبة لكي نحكم على الشخص بأنه تاب، واستدل على ذلك بقوله -صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" ولأن شهادة الكافر تقبل بمجرد الإسلام فشهادة الفاسق تقبل بمجرد التوبة من باب أولى. كشاف القناع، ج٦، ص٤١٩.
٢ سورة النور الآية رقم: ٤، والآية رقم: ٥، وقد صرح بعض العلماء بأن توبة القاذف تكون بأن يكذب نفسه حتى لو كان صادقا فيقول: كذبت فيما قلت؛ لأنه كاذب في حكم الله تعالى بقوله: {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} فتكذيب الصادق نفسه يرجع إلى أنه كاذب في حكم الله تعالى، وإن كان في الأمر نفسه صادقا، ويرى هذا الرأي الإمام الشافعي, وأما الإمام مالك فيرى أنه ليس من شرط توبته ولا يؤثر في قبول شهادته، رجوعه عن قذفه وإنما يعتبر في ذلك بصلاح حاله، ووجه الرأي الأول أن المعصية إذا كانت بالأقوال فإن التوبة منها بالقول, وتكذيب الإنسان لنفسه لجريمة الردة عن الإسلام لما كانت قولا كانت التوبة منها بتكذيب قوله المقدم. ووجه الرأي الثاني أن هذه توبة من ذنب، فكانت بالاستغفار والعمل الصالح كسائر الذنوب.
المنتقى، شرح موطأ مالك، ج٥، ص٢٠٨، وكشاف القناع، ج٦، ص٤٢٠.

<<  <   >  >>