أجيب عن هذا الدليل بأن الحديث لا يوجد فيه دليل على الاقتصار على الشاهدين في إثبات دعاوى القتل، وعلى هذا فلا يكون الحديث دالا على عدم اعتبار القرينة وسيلة من وسائل الإثبات.
ثانيا: الاحتياط في الدماء مثل الاحتياط في الحدود بل أكثر منها وأولى، ولما كانت القرائن في الدماء في كثير من الحالات يكتنفها الغموض والإبهام، فإن هذا يعد شبهة يجب أن تكون دارئة للقصاص؛ لأنه يدرأ بالشبهات كما تدرأ بها الحدود١.
الرأي الراجح:
يغلب على الظن أن ما يراه الجمهور -وهو عدم القضاء بالقرينة في القصاص- هو الرأي الراجح، وأقوى ما يسند هذا الرأي هو أن القرينة في كثير من الحالات يكتنفها الغموض والإبهام، وهذا شبهة والقصاص يدرأ بالشبهات، وهذا دليل قوي، وأما ما استند إليه القائلون بأن القرينة تصلح أن تكون وسيلة إثبات في القصاص، فقد ضعف من قبل المخالفين، ولكن ينبغي أن نذكر ما قاله بعض العلماء المعاصرين, وهو أنه إذا كانت القرينة قاطعة بحيث لا تكون محتملة لأدنى شك، فإنها تكون وسيلة إثبات في جرائم القتل كما لو وجدت بصمات المتهم على السكين التي تمت بها جريمة القتل لكن بشرط، وهو إذا لم يستطع المتهم أن يضعف من دلالة هذه القرينة فيورث شبهة تنقذه من عقوبة القصاص، لكن هذا الرأي محل نظر.
١ محاضرات في علم القاضي, القرائن، إلخ، مصدر سابق، ص٥٤، ٥٥.