للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذكورة ليست شرطا عند الحنفية في توليتها منصب القضاء، وهذا خطأ؛ لأن الحنفية لا يقولون بجواز توليتها القضاء لا في الحدود ولا في غيرها، ويقول ابن حزم في كتابه "المحلى"١: "وجائز أن تلي المرأة الحكم٢. وهو قول أبي حنيفة" وهذا خطأ أيضًا من ابن حزم في حكاية مذهب أبي حنيفة.

فهذه العبارات وأمثالها توهم أن الحنفية يرون جواز تولية المرأة القضاء في الأمور التي يصح لها أن تشهد فيها، لكننا وجدنا الغزي والكمال بن الهمام -كما بينا- يوضحان مذهب الحنفية على الصورة التي بيناها.

ويمكن أن يقال إن بعض الحنفية متهمون ببعض التقصير في توضيح مذهبهم، فكان عليهم أن يعبروا في كتبهم بعبارات واضحة في الدلالة على المذهب، لا توهم هذا المعنى الذي توهمه غير الحنفية٣.

ومع أنه من الممكن أن يقال إن الغزي وابن الهمام وغيرهما من فقهاء الحنفية الذين بينوا أنه لا يجوز تولية المرأة القضاء مخالفون لمذهب الحنفية وهو -كما نقله بعض العلماء- جواز توليتها في الأمور التي يصح لها أن تشهد فيها، وهي ما عدا القصاص والحدود، وعلى هذا يكون الرأي الذي أبداه ابن الهمام والغزي وصاحب مجمع الأنهر وغيرهم رأيا خاصا بأصحابه, وليس هو المذهب الفقهي للإمام المذهب أو لأئمتهم الكبار الأول، نقول مع أنه من الممكن أن يقال هذا لكن الرد عليه أن من المعهود إذا خالف بعض فقهاء مذهب معين قولا لإمام المذهب أن يذكر قول الإمام, ثم يبين أنه يرى رأيا آخر غير ما يراه الإمام، فلما لم يبين دامادا أفندي صاحب مجمع الأنهر والكمال بن الهمام صاحب شرح فتح القدير والغزي صاحب تنوير الأبصار أن هذا رأي مستقل عن المذهب الفقهي للأئمة السابقين في المذهب الحنفي، غلب على ظننا أن ما بينه هؤلاء هو حقيقة مذهب الحنفية.


١ المحلى، لابن حزم، ج٩، ص٤٢٩، دار الآفاق الجديدة، بيروت.
٢ أن تلي المرأة الحكم: يعني: تلي المرأة القضاء، ولا يقصد ابن حزم بالحكم رياسة الدولة, ورأي ابن حزم في القول بجواز أن تتولى المرأة القضاء متفق مع مذهب الظاهرية في الأخذ بظاهر النصوص, إذ إن حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" ورد في رياسة الدولة؛ لأن الرسول قاله عندما بلغه أن أهل فارس ملكوا عليهم بنت كسرى بعد وفاته.
٣ نظام القضاء في الإسلام، لأستاذنا الدكتور إبراهيم عبد الحميد ص٢٨.

<<  <   >  >>