للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولنفرض أن ابن جرير الطبري لم تكن له كتب مؤلفة، ونقل عنه علماؤنا الثقات هذا الرأي المشهور عنه، أما كان يكفي هذا النقل عنه؟ أم كان سيرد هذا النقل بحجة أن ابن جرير الطبري ليس له كتاب منسوب إليه؟ إن مسائل كثيرة جدا أكثر من أن تحصى حكيت عن علماء كثيرين, ولم تكن مدونة في كتب لهم، ولم تكن محل اعتراض من هذه الناحية.

إن نقل آراء العلماء يكفي في صحتها أن تكون الثقة متوافرة في الناقل، والذين نقلوا عن الطبري رأيه علماء أجلاء موضع الثقة التامة، ويحسن الظن بهم، وهذا كاف في صحة حكاية هذا الرأي عن الإمام ابن جرير الطبري، هذا بالإضافة إلى أننا لم نجد أحدا من العلماء ينسب إلى ابن جرير قولا بعدم جواز أن تتولى المرأة القضاء، ولا وجد هذا الرأي في كتاب من كتبه, وإلا لنقله العلماء عنه، وهذا يعد قرينة تؤيد نسبة الرأي إليه.

ثانيًا: أما القول بأن نسبة الرأي القائل بجواز أن تتولى المرأة القضاء إلى ابن جرير لا تصلح من الناحية الموضوعية، بحجة أن هذا الرأي يخالف حديث: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، ومخالف لإجماع الأمة، فالجواب أن هذا الكلام لا يقال عند حكاية الآراء، وإنما الآراء يصح حكايتها ما دام ناقلوها موضع الثقة، وعلماؤنا الذين نقلوا عن ابن جرير قوله في قضاء المرأة موضع الثقة قطعا، وإذا كان الماوردي بعد أن نقل رأي ابن جرير بتجويز قضاء المرأة في جميع الأحكام، قال: "ولا اعتبار بقول يرده الإجماع مع قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} يعني في العقل والرأي، فلم يجز أن يقمن على الرجال"١. فإن كلام الماوردي لا يصلح أن يرد نسبة قول إلى قائله، ولس هذا في غالب الظن ما قصد إليه الماوردي، كما هو واضح من عبارته، وموضع رد رأي ابن جرير بحجة الإجماع والآية الكريمة: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} لا يكون عند ذكر الآراء في المسألة المتنازع فيها، وإنما يكون عند الحوار العلمي بذكر حجج الأطراف المتنازعة٢.


١ الأحكام السلطانية، ص٧٢.
٢ نظام القضاء في الإسلام لأستاذنا الدكتور إبراهيم عبد الحميد، ص٢٣، ٢٤، مكتوبة بالآلة الكاتبة.

<<  <   >  >>