للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر علماؤنا -رضي الله تعالى عنهم- أمورا تخل بالمروءة، كالأكل في الأسواق إذا كان من شخص لا يعمل في السوق، وأما أهل السوق الجالسون فيه فلا يخل بمروءتهم الأكل فيه للضرورة، والمراد بالأكل في السوق -كما بين ابن قدامة- أن ينصب مائدة في السوق، ثم يأكل، والناس ينظرون، وليس المراد أكل شيء يسير، أو كان يأكل في دكان وهو مستتر، أو غلبه جوع أو عطش، أو كان صائما فبادر بالإفطار عملا بالسنة؛ لأن من المستحب تعجيل الإفطار، كما أرشدنا إلى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قوله: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" رواه البخاري ومسلم١.

ومن الأمور التي ذكرها العلماء أيضًا المشي مكشوف الرأس في السوق، أو كشف ما جرت العادة بتغطيته من بدنه، أو ذكر أهله أو زوجته بالأمور السخيفة، ومنها الإكثار من الحكايات المضحكة بين الناس، بشرط أن تكون حكايات كاذبة، أما لو كانت صادقة فلا يخدش ذلك مروءته، وذكروا من ذلك أيضًا الحرفة الدنيئة، إذا كانت لا تليق به؛ لأنها تشعر بالخسة، بخلافها ممن تليق به٢.

ولا بد أن يلاحظ أن الصفات التي تسقط المروءة يتدخل في اعتبارها عرف الناس وتقاليدهم في كل عصر، وهو ما يفيده قولهم في تعريف المروءة بأنها: "التخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه" أو "توقي الأدناس عرفا"، أو "أن يصون نفسه من الأدناس وما يشينها بين الناس" ولذلك وجدنا علماءنا القدامى يذكرون أن الأكل في الأسواق، والمشي مكشوف الرأس مما يخرم المروءة في عصرهم، لكن


١ سبل السلام، ج٢، ص١٥٤.
٢ حاشية الشرقاوي، ج٢، ص٥٠٦، ٥٠٧، والمغني ج٩، ص١٦٨، ١٦٩.

<<  <   >  >>