للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغائب عند الشافعية:

الغائب الذي يحكم عليه عند الشافعية نوعان:

النوع الأول: من كانت المسافة بين القاضي وبينه فوق مسافة العدوى، ويحددون مسافة العدوى بأنها المسافة التي لو خرج مبكرا١ لبلد القضاء لرجع إليها في يومه٢ بعد فراغ زمن المخاصمة المعتدلة من دعوى، وجواب، وإقامة بينة حاضرة، وتعديلها، قالوا: والعبرة بسير الأثقال؛ لأنه منضبط٣.

وقيل أن يكون بينه وبين القاضي مسافة القصر، وهي ثمانون كيلو مترا تقريبا، كالمسافة بين مكة وجدة، عندما كانت كذلك قبل أن تزحف المساكن من المدينتين، لكن المسافة الآن قد قلت عن ثمانين كيلو مترا بين جدة ومكة.

النوع الثاني: الحاضر في البلد لكنه توارى، أو تعزز، وعجز القاضي عن إحضاره، فهذا أيضًا يعد غائبا ويحكم القاضي عليه، لتعذر الوصول إليه، وإلا لاتخذ الناس ذلك ذريعة إلى إبطال الحقوق.

وأما غير هذين فلا تسمع الحجة ولا يحكم عليه إلا بحضوره، كما هو مبين في فقه الشافعية٤.

وأكثر أهل العلم يرون أن الحاضر في البلد أو قريب منه إذا لم يمتنع من الحضور لا يقضي عليه قبل أن يحضر أمام القاضي؛ لأنه يمكن سؤاله، فلا يجوز الحكم عليه قبل سؤاله كالحاضر الذي يحضر مجلس القاضي، ولا يصح القياس على الغائب البعيد؛ لأن البعيد لا يتيسر سؤاله.

أما لو امتنع المدعى عليه من الحضور، أو توارى فيجوز القضاء عليه؛ لأنه تعذر حضوره وسؤاله أمام القاضي، فجاز القضاء عليه كالغائب البعيد، بل هذا أولى؛ لأن الغائب البعيد معذور، وهذا لا عذر له٥.


١ التبكير كما قال الشافعي إما أن يكون معناه الخروج عقب طلوع الفجر، وهذا أخذا مما قالواه في صلاة الجمعة، فإن التبكير فيها يدخل وقته من طلوع الفجر، أو يكون معناه التبكير في عرف الناس, وهو الخروج قبيل طلوع الشمس. الجمل على المنهج، ج٥، ص٣٦٤.
٢ القدر الذي ينتهي به سفر الناس غالبه هو أوائل الليل.
٣ سميت مسافة العدوى بهذا -كما قال بعض العلماء- لأن القاضي يعدي أي: يعين من طلب خصما منها على إحضاره، وقد علق على هذا بعض آخر من العلماء: "ولعل هذا تفسير باللازم، وإلا فمعنى أعدى: أزال العدوان، كما أن اشتكى أزال الشكوى، وفي المصباح: واستعديت الأمير على الظالم طلبت منه النصرة، فأعداني عليه أعانني ونصرني، فاستعدى طلب التقوية والنصرة، والاسم العدوى. قال ابن فارس: العدوى طلبك إلى وال ليعديك على ظلمك، أي: ينتقم منه باعتدائه عليك، والفقهاء يقولون: إلى مسافة العدوى، وكأنهم استعاروها من هذه العدوى؛ لأن صاحبها يصل فيها الذهاب والعود بعد يوم واحد، لما فيه من القوة والجلادة. حاشية الجمل على المنهج، ج٥، ص٣٦٤.
٤ الغاية القصوى في دراية الفتوى، لعبد الله بن عمر البيضاوي، تحقيق علي محيي الدين علي القره داغي، ج٢، ص١٠١٢، وحاشية الجمل على شرح المنهج لزكريا الأنصاري، ج٥، ص٣٥٩، ٣٦٠ مطبعة مصطفى محمد.
٥ المغني، ج١١، ص٤٨٧.

<<  <   >  >>