ما يصح الاستحلاف فيه وما لا يصح:
تنقسم الحقوق إلى قسمين:
القسم الأول: حقوق الله تعالى.
القسم الثاني: حقوق الآدميين.
وتنقسم حقوق الله تعالى إلى قسمين:
أحدهما: الحدود، أي: العقوبات المقدرة حقا لله تعالى، وهذا القسم تشرع فيه اليمين، قال ابن قدامة، لا نعلم في هذا خلافا؛ لأن المطلوب في الحدود الستر، والتعريض لمن أقر بها لكي يرجع عن إقراره، كما عرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لماعز عندما جاءه واعترف بالزنا، فيكون عدم الاستحلاف فيها أولى.
أي: إنه إذا كان من الجائز صحة رجوع المقر عن إقراره في الحدود، فيكون أولى عدم استحلاف من لم يقم عله بينة ولم يحصل منه إقرار.
القسم الثاني: الحقوق المالية، كدعوى الزكاة على رب المال، وأن الحول قد تم وكمل النصاب، ففي هذه اختلف العلماء، فيرى أحمد بن حنبل أن القول قول رب المال من غير يمين، ولا يستحلف الناس على صدقاتهم؛ لأنها حق الله فأشبهت الحدود؛ ولأن ذلك عبادة فلا يستحلف عليها كالصلاة.
ويرى الشافعي، وأبو يوسف، ومحمد استحلاف رب المال؛ لأنها دعوى مسموعة أشبه بحق الآدمي، وبما أن حقوق الآدميين يجري فيها الاستحلاف فكذلك الزكاة.
إذا تضمنت الدعوى في الحدود حقا لآدمي:
وبين العلماء أن الدعوى في الحدود إذا تضمنت حقا للآدمي، كما لو ادعي عليه سرقة ماله ليضمن السارق أن يأخذ منه ما سرقه، أو ادعي عليه الزنا بجاريته ليأخذ منه مهرها، فإن الدعوى تسمع ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمي دون حق الله تعالى.
فإذا ادعي على شخص سرقة مال ولا توجد بينة، فإن القاضي يوجه اليمين إلى المتهم بالسرقة فإذا لم يحلف ثبت عليه المال المسروق صيانة لحق الإنسان، ولم يثبت حد السرقة؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وهي أيضًا مبنية على الستر.
وكذلك لو ادعي على شخص أنه زنا بجارية ولا توجد بينة، فإن القاضي يطالبه باليمين، فإذا امتنع من اليمين ألزمه القاضي بمهر الجارية، ولم يثبت حد الزنا لدرء الحدود بالشبهات؛ ولأنها مبنية على الستر كما بينا.