القضية ويأتي بأحد الشيئين: أي: عندي، أو ليس عندي، فمتى أجاب بشيء ولو نفيا لم يتعرض له, فإن بعض فقهاء الشافعية يرى أنه لو أقر حينئذ صح إقراره، وعلل لهذا الرأي بأنه حينئذ ليس مكرها؛ لأن المكره من أكره على شيء واحد، وهذا إنما ضرب لكي يصدق، أي: يقول الصدق، بأن يقول: نعم عندي أو يقول: ليس عندي، والصدق ليس منحصرا في الإقرار.
لكن مع هذا فإن صاحب هذا الرأي يرى كراهة إلزامه بالإقرار الذي حدث منه, حتى يراجع ويقر ثانيا.
وواضح للقارئ أن فرض المسألة أن المضروب لو أجاب ولو بنفي ما ادعي به عليه ترك وشأنه، وهذا هو فرض المسألة، لكن من المستبعد أن يكون ما يحدث هو هذه الصورة، وإنما الذي يحدث عادة هو أنه يضرب المتهم ليقر بالحق، ويريد من يضربونه بذلك أن يقر بما ادعاه خصمه عليه، قال الأذرعي أحد فقهاء الشافعية: الصواب فيما لو ضرب ليقر بالحق ويراد بذلك الإقرار بما ادعاه خصمه أنه إكراه، سواء أقر في حال ضربه أو بعده، وعلم أنه لو لم يقر لضرب ثانيا.
وقد صرح بعض الفقهاء بأن الضرب في الصورتين السابقتين حرام، أي: سواء أكان قد ضرب ليصدق في القضية فمتى أجاب بشيء ولو نفيا لم يتعرض له، أم كان قد ضرب ليقر بما ادعاه خصمه عليه، فيحرم ضربه في الصورتين خلافا لم توهم من الفقهاء أنه حلال إذا ضرب ليصدق في القضية، وصرح بعض العلماء بأن الضرب حرام حتى لو كان ضربا خفيفًا١.
لو ادعى بعد الإقرار أنه كان مكرها:
لو أقر المدعى عليه لكنه ادعى بعد الإقرار أنه كان مكرها ساعة الإقرار، فإما أن يكون هناك قرينة دالة على صدقه في دعواه الإكراه أم لا، فإن كان هناك قرينة تدل على صدقه كما لو كان قد حبس قبل الإقرار، فإنه يصدق بيمينه، فإذا حلف على ما ادعاه من الإكراه سقط الإقرار، وأما إذا لم تكن هناك قرينة تدل على صدقه فلا اعتبار بادعائه الإكراه في إقراره.
لو تعارض الشهود في إكراهه واختياره:
لو شهد شهود أنه أكره في إقراره، وشهد آخرون أنه كان مختارا فيه، قدمت شهادة من يشهد بالإكراه؛ لأن الذي يشهد بالإكراه معه زيادة علم.
١ حاشية الجمل على شرح المنهج لزكريا الأنصاري، ج٣، ص٤٣٠، وحاشية الباجوري على شرح ابن قاسم، بحث الإقرار، ص٢٠٥.