للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إشارة الأخرس المفهمة.

هذا، ونحب أن نبين أن المشهور عن الشافعي -رضي الله عنه- عدم الاعتماد على الخط المجرد، وهو أيضا مذهب مالك، لإمكان التزوير في الخطوط، وروى الخصاف عن أبي حنيفة "إذا وجد القاضي في ديوانه شيئا لا يحفظ، كإقرار الرجل بحق من الحقوق، وهو لا يذكر ذلك ولا يحفظه، فإنه لا يحكم به، ولا ينفذه حتى يذكره، أو تقوم عليه بينة، وقال أبو يوسف ومحمد ما وجده القاضي في ديوانه من شهادة شهود عنده لرجل على رجل بحق، أو إقرار رجل لرجل بحق، والقاضي لا يحفظ ذلك ولا يذكره، فإنه ينفذ ذلك ويقضي به إذا كان تحت خاتمه محفوظًا، إذ ليس كل ما في ديوان القاضي يحفظ".

ويرى بعض الباحثين صحة الإقرار بالكتابة؛ لأن الذين يمنعون الاحتجاج بالكتابة وحدها إنما قالوا بذلك خشية أن يحدث التزوير فيها والمحاكاة١.

ونحن نرى صحة هذا الرأي، وخاصة بعد أن أصبح للخطوط خبراء يميزون خط الشخص عن غيره، وبعد ما ثبت أن الخطوط لا تتطابق وبإمكان الخبير أن يعرف التزوير إذا حدث في الخطوط، ويمكن أن يتقوى هذا الرأي بما يأتي:

أولا: ما روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" ووجه الدلالة أنه لو لم يكن من الجائز أن تعتمد على الخط لما كان لكتابة الوصية فائدة.

ثانيا: ما ثبت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرسل كتبا إلى الملوك وغيرهم، وكان يرسل المكتوب مع رسول مختوما، ويأمره بأن يدفعه إلى المكتوب إليه.

ثالثا: ما رواه كثير من العلماء من أنه يصح اعتماد راوي الحديث على الخط, وجواز التحدث بهذا المكتوب، ولو لم يعتمد على ذلك لضاع كثير من الأحاديث والأحكام الفقهية التي تناقلها المحدثون والفقهاء بطريق الكتابة.

والمطلوب التحقق بأية وسيلة أن هذا المكتوب هو خط شخص معين، والعبرة كما يقول الإمام أحمد بن حنبل أن يكون خطه معروفا مشهورا، فإن القصد حصول العلم بنسبة الكتابة إليه٢.


١ القضاء في الإسلام، للأستاذ محمد سلام مدكور، ص٨٠.
٢ المصدر السابق، ص٨١.

<<  <   >  >>