للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بينة١، والقصاص، وحد القذف حق لآدمي على الرأي القائل بأنه مع ملاحظة أن فيه حقا لله وحقا للإنسان، فإن حق الإنسان غالب.

فأما حقوق الآدميين فقد اتفق العلماء على أنه لا يصح الرجوع عن الإقرار بها؛ لأنها حقوق تثبت للمقر له، فلا يملك المقر إسقاطها بغير رضاه، وبين بعض العلماء أن حق الله المالي٢، كالزكاة، والكفارة لا يصح الرجوع فيه عن الإقرار به لما فيه من شائبة حق الآدمي٣.

وأما حقوق الله عز وجل الخالصة، وهي ما يسقط بالشبهة من الحدود كحد الزنا، وحد السرقة، فقد اختلف العلماء فيه على رأيين:


١ حد القذف يجتمع فيه حق الله وحق الإنسان، ففيه حق الإنسان؛ لأن مما لا شك فيه أن للإنسان المطعون في عرضه حقا في تطبيقه على من رماه بالزنا، حتى يدفع العار عنه ويعلم الناس أن إلصاق الجريمة به كان كذبا وافتراء، وفيه أيضا حق الله تعالى؛ لأنه سبحانه يريد المصالح لعباده، ومن مصلحتهم أن تصان أعراضهم من أن تمس بأذى، فكان أمره جل وعلا أن يعاقب القاذف ومن حق الله تبارك وتعالى أن يمتثل العباد لأوامره ويجتنبوا نواهيه، وقد اختلف العلماء، فقال الحنفية إن حق الله في حد القذف هو الأغلب، والشافعية يرون أن حق الإنسان هو الأغلب, وعلى هذا الرأي الأخير يجوز أن يورث، ويعفى عنه من المقذوف، ولا يجري فيه التداخل.
٢ قسم العلماء الحقوق المالية التي تجب لله تعالى إلى ثلاثة أقسام:
الأول: قسم يجب لا بسبب من الإنسان، فإذا عجز عنه الإنسان وقت وجوبه لا يثبت في الذمة بل يسقط، وذلك كزكاة الفطر.
الثاني: قسم يجب بسبب من جهة الإنسان -على سبيل البدل- فيثبت في ذمته، تغليبا لمعنى الغرامة، كجزاء الصيد في الحرم، وفدية الحلق في الحج.
الثالث: قسم يجب بسبب من جهة الإنسان -لا على سبيل البدل- كخصال الكفارة الواجبة على من جامع في نهار رمضان.
الأشباه والنظائر، لعبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، الجزء الأول، ص٢٨، دار الكتب العلمية - بيروت.
٣ حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم، ج٢، ص٣، مطبعة عيسى البابي الحلبي.

<<  <   >  >>