للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثالثًا: قضاء القاضي ملزم لكلا الطرفين في القضية التي نظرها، وإذا لم ينفذ المحكوم عليه ما حكم به القاضي اختيارا، فإن الدولة تجبره على التنفيذ ولو باستعمال القوة، أما حكم الحكم في الخصومات التي يحكم فيها فإنه لا ينفذ إلا إذا كان كل من الخصمين راضيًا بهذا الحكم١.

من هذا تبين أن القضاء ملزم في ثلاث نواح:

أولاها: أن القاضي ملزم بأن يقضي فيما يرفع إليه من قضايا.

ثانيتها: أن المدعى عليه ملزم بالخصومة والحضور أمام مجلس القاضي.

ثالثتها: أن الأحكام التي قضى بها القاضي ملزمة لكل من المتخاصمين.

فالتحكيم ليس ملزما "للمحكم" وليس ملزمًا للخصم، وكذلك ما حكم به المحكم, فإنه لا يلزم أيا من الخصمين إلا برضاه بذلك.

من هذا يتبين أن العرب في الجاهلية لم يعرفوا القضاء؛ لأن القضاء أحد المظاهر التي تدل على التنظيم الحكومي، ولم يكن للعرب قبل الإسلام حكومة بالمعنى الذي نعرفه للحكومات الآن٢، فلم تكن لهم إدارة منظمة لها السلطان الذي يخضع له الناس، وتعمل على أن يصل الحق إلى صاحبه، وتمنع أن يتعدى الناس بعضهم على البعض٣. وإنما كانوا بدوا أو شبه بدو يعيشون في قبائل شتى وكل قبيلة من هذه القبائل يجمع أفرادها رابطة الدم التي كانت موضع التقديس من كل عربي يعيش في شبه الجزيرة العربية.

وإذا كانت بعض المصادر تحدثنا عن "قاضي السوق" الذي يجلس في سوق عكاظ، فإن قاضي السوق لا يعدو أن يكون محكما, اختارته جماعة السوق ليحكم بينهم في أمور محدودة وموسم معين، ثم تنتهي مهمته.

وكذلك تبين المصادر أن بني سهم في مكة كانوا أصحاب "حكومة" ولكن هذه الحكومة لم تكن منصبا, وإنما كانت لقبا أطلق على بني سهم، لكثرة المحكمين منهم.


١ هذا أحد رأيين في الفقه الإسلامي، والرأي الثاني أن الحكم إذا حكم في المسألة التي ينظرها فإنه ينفذ حكمه عليهما ما داما رضيا بتحكيمه من البداية.
٢ عبقرية الإسلام في أصول الحكم، للدكتور منير العجلاني، ص٣٣١، دار النفائس ببيروت.
٣ تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، للدكتور/ حسن إبرهيم حسن، الجزء الأول، ص٥١, ٥٢.

<<  <   >  >>