أن يكون الشاهدان متحقق فيهما العدالة والصدق في شهادتهما, وإنما كان الكذب في رجوعهما عن الشهادة.
وأما إن كان الرجوع بعد الحكم وقبل استيفاء عقوبة في شهادة بها، سواء أكانت لله تبارك وتعالى، كحد الزنا، أو كانت لآدمي كحد القذف، فلا تستوفى تلك العقوبة؛ لأنها تسقط بالشبهة، ورجوع الشهود شبهة.
إن رجعوا بعد استيفاء المحكوم به:
يرى الشافعية أنهم لو رجعوا بعد استيفاء المحكوم به لم ينقض الحكم، لتأكد الأمر بالاستيفاء؛ ولأنه يجوز صدقهم في الشهادة وكذبهم في الرجوع، ويجوز أيضًا عكسه، وليس لأحد الأمرين أولوية على الآخر.
وعلى هذا فإن كان المستوفي عقوبة، كأن كان قصاصا في النفس أو في الطرف، أو قتل ردة، أو رجما في جريمة الزنا، أو جلدا ومات المجلود، أو كان قطع سرقة، ثم رجعوا عن الشهادة وقالوا: تعمدنا الشهادة، فإنه يجب عليهم القصاص، أو دية مغلظة في مالهم موزعة على عدد رءوسهم، إن عفى الأولياء عن القصاص إلى الدية؛ لأنهم تسببوا في إهلاكه.
وبين الشافعية أنه يجب القصاص على القاضي إن قال: تعمدت الحكم بشهادة الزور، والقول بالقصاص على الشاهدين قال به أيضًا ابن شبرمة، وابن أبي ليلى، والأوزاعي، والحنابلة غير أن الحنابلة قالوا: إذا قال الشهود تعمدنا الشهادة عليه، ولا نعلم أنه يقتل بهذا، وكان الشهود ممن يجوز أن يكون جاهلا بالحكم وجبت الدية في أموالهما مغلظة؛ لأنه شبه عمد، وكذلك يرى الحنفية أنه لا يفسخ الحكم إذا رجع الشهود بعد الحكم، لكنهم قالوا: إذا رجع شهود القصاص ضمنوا الدية ولا قصاص عليهم؛ لأن القصاص عند الحنفية لا يجب في جريمة القتل بالتسبب، بل لا بد في القصاص -عندهم- من القتل مباشرة، ولا يوجد القتل بالمباشرة هنا١.
١ مغني المحتاج ج٤، ص٤٥٧، والاختيار لتعليل المختار، ج٢، ص٢١٥، والمغني، ج٩، ص٢٤٧، وفتح القدير، ج٧، ص٤٧٨، ونظرية التوثيق في الشريعة الإسلامية للدكتور أمين عبد المعبود، ص٨٠، الناشر مكتبة الصفار بالكويت.