للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخبر بها متواترا، أو مشهورا على الأقل١.

مناقشة الاستدلال:

أجيب على هذا الاستدلال بما يأتي:

أولا: إننا نسلم بأن الاقتصار في مقام البيان يفيد الحصر، ولكنه يفيده بطريق المفهوم، والمفهوم عند الحنفية من قبيل المسكوت عنه، فلا دلالة فيه على النفي.

ولو سلمنا أن المفهوم هنا معمول به كالمنطوق، فإن القاعدة أن المفهوم إذا عارضه منطوق فإنه يقدم المنطوق على المفهوم، وهنا في مسألتنا هذه قد عارض المفهوم منطوق حديث: قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- باليمين مع الشاهد٢.

ثانيا: إن أبا حنيفة وأصحابه يرون أن نكول المدعى عليه -أي: امتناعه من اليمين- يوجب أن يقضي القاضي عليه بنفس النكول، وهذا قسم ثالث ليس له ذكر في الآية الكريمة، وهي قوله تبارك وتعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ


١ يقسم الحنفية الحديث إلى متواتر وآحاد، ومشهور، ويقسم غيرهم الحديث إلى نوعين فقط هما: المتواتر والآحاد.
ويعرف المتواتر بأنه ما روي من طريق تحيل العادة توافق رواته على الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، والحديث الآحادي هو ما روي من طريق لا تحيل العادة توافق رواته على الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، والحنفية يجعلون المشهور قسما وسطا بين المتواتر والآحاد، ويعرف بأنه ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بطريق الآحاد، واشتهر في عصر التابعين أو تابعي التابعين، فالحديث المشهور كان أولا مرويا بطريق الآحاد، ثم اشتهر في العصر الثاني أو الثالث وتلقته الأمة بالقبول، وصار كالمتواتر، وذلك مثل حديث المسح على الخف، وحديث الرجم في عقوبة الزاني المحصن، أي: المتزوج.
٢ منهاج الطالب في المقارة بين المذاهب، لأستاذنا الدكتور عبد السميع إمام، ص٢٢٧.

<<  <   >  >>