للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقوم مقامها، فكيف يقسم أولياء الدم وهم لم يشاهدوا القتل، بل قد يكونون في بلد والقتل في بلد آخر.

ولهذا روى البخاري١ عن أبي قلابة أن عمر بن عبد العزيز أذن للناس فدخلوا عليه فقالوا: ما تقولون في القسامة؟ قالوا: نقول: إن القسامة القود بها "أي: القصاس بها" حق، قد أقاد بها الخلفاء٢ فقال: ما تقول يا أبا قلابة؟ ... فقلت: يا أمير المؤمنين، عند أشراف العرب ورؤساء الأجناد، أرأيت لو أن خمسين رجلا شهدوا على رجل أنه زنى بدمشق ولم يروه أكنت ترجمه؟ قال: لا، قلت: أفرأيت لو أن خمسين رجلا شهدوا عندك على رجل أنه سرق بحمص ولم يروه أكنت تقطعه؟ قال: لا.

وفي بعض الروايات: قلت: فما بالهم إذا شهدوا أنه قتله بأرض كذا وهم عندك أقدت بشهادتهم؟ قال أبو قلابة: فكتب عمر بن عبد العزيز في القسامة: إنهم إن أقاموا شاهدي عدل أن فلانا قتله فأقده، ولا يقتل بشهادة الخمسين الذين أقسموا.

وأيضًا فإنه لم يرد في تلك الأحاديث أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حكم بالقسامة، وإنما كانت القسامة من أحكام الجاهلية، فتلطف لهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليريهم كيف لا يلزم الحكم بها على أصول الإسلام، ولذلك قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- لهم -أي: لولاة الدم وهم الأنصار: "أتحلفون خمسين يمينا"؟ قالوا: كيف نحلف ولم نشاهد، قال: فيحلف لكم اليهود، قالوا كيف نقبل أيمان قوم كفار؟.


١ فتح الباري ج١٢، ص٢٣٠.
٢ المراد بالخلفاء، معاوية, وعبد الله بن الزبير، وعبد الملك بن مروان، فتح الباري ج١٢، ص٢٤٠.

<<  <   >  >>