للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن لما كان عهد أبي بكر -رضي الله عنه- عهد فتن واضطراب١ فلم تتح له الأحداث أن يفعل فعل عمر فيما يتصل بالقضاء.

ففي عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أصبح القضاء يخصص له من يقوم به فقط، دون أن يسند إليه أية أعمال أخرى، بعد أن كان في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم، وزمن خلافة أبي بكر رضي الله عنه، جزءًا من الولاية العامة.

وذلك لأنه لما اتسعت الدولة الإسلامية في عهد عمر، واتسع نطاق العمران واختلط غير المسلمين بالمسلمين، وكثرت المهام التي تتطلب من الولاة أن يتفرغوا للنظر فيها، وظهر كثير من القضايا التي تحتاج من القضاة أيضا إلى تفرغهم لهذا العمل؛ لأنه كلما اتسع المجتمع البشري وتعدد، كثرت فيه القضايا، وكلما قل قلت فيها القضايا. لما كان كل ذلك فصل عمر القضاء عن عمل الوالي في بعض الولايات الكبيرة، كالكوفة، والبصرة، ومصر؛ لأنه أصبح من المتعسر على الخليفة أو نائبه أن يجمع بين النظر في الأمور العامة والفصل في القضايا التي ظهرت في هذه المجتمعات الجديدة الكبيرة.

فولى كلا من عبد الله بن مسعود، وشريح بن الحارث الكندي قضاء الكوفة دون الولاية عليها، واستعمل على قضاء البصرة كذلك أبا مريم الحنفي، ثم لما رأى منه ضعفا عزله، وولى مكانه كعب بن سور الأزدي، واستعمل على قضاء مصر قيس بن أبي العاص٢.


١ عقب وفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ارتدت بعض القبائل التي لم تتأثر بمبادئ الإسلام وأحكامه، وظهر كثير من مدعي النبوة الذين كانوا قد ظهروا في حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الجهات البعيدة، مثل مسيلمة الكذاب وغيره، وقاتلهم أبو بكر -رضي الله عنه، حتى انتصر عليهم بعد أن ظلت الحروب بين المسلمين والمرتدين حوالي عام كامل، وكذلك امتنع بعض القبائل المسلمة عن إخراج الزكاة فحاربهم أبو بكر وانتصر أيضًا عليهم.
٢ تاريخ القضاء في الإسلام، للدكتور أحمد عبد المنعم البهي، ص١٠٥، وما بعدها.

<<  <   >  >>