بقي أن نقول إن علماءنا -رضي الله تعالى عنهم- بينوا أن قضاء القاضي ينفذ ظاهرا وباطنا قطعا في الأمور التي اتفق عليها العلماء, وأما في الأمور التي اختلف العلماء فيها، كالشفعة مثلا، فإن الحنفية يرون أنها تكون للشريك، وللجار، والجمهور يرون أنها لا تكون للشريك، وكميراث ذوي الأرحام فإن المالكية وجمهور فقهاء الشافعية لا يورثونهم والحنفية، والحنابلة، وبعض فقهاء الشافعية يقولون بتوريثهم، نقول وأما في الأمور التي اختلف العلماء فيها فهناك رأيان أصحهما عند بعض العلماء أن حكم القاضي فيها ينفذ ظاهرا وباطنا حتى لو كان الحكم لمن لا يعتقد صحة هذا الحكم. قال أصحاب هذا الرأي: حتى تتفق الكلمة ويتم الانتفاع، وعلى هذا لو حكم قاض حنفي المذهب لشافعي بشفعة الجوار، أو بالإرث بسبب أنه من ذوي الأرحام، حل للشافعي -كما قال بعض العلماء- الأخذ بهذا الحكم، وليس للقاضي منعه من الأخذ بذلك، ولا من الدعوى به إذا أرادها، اعتبارا بعقيدة القاضي؛ ولأن هذا الأمر من الأمور المجتهد فيها، والاجتهاد إنما يكون -هنا- من القاضي لا من غيره١.
١ إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، لأحمد بن محمد القسطلاني، ج١، ص٣٤٨. دار الفكر.