للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقصاص من حقوق الإنسان, فيجوز فيه التحكيم قياسا على التحكيم في الأموال.

وأما الرأي الثاني القائل بأن التحكيم لا يجوز في الحدود والقصاص، فقد علل له بأن حكم المحكم حجة فقط في حق اللذين حكماه، وليس حجة في حق غير المحكمين، فيكون في هذا شبهة والقصاص والحدود تدرأ بالشبهات.

وأيضًا فلأنه لا ولاية لهما على دمهما، ولهذا لا يملكان الإباحة، فلو قال شخص لشخص: اقتلني، فإنه لا يصح هذا الأمر الصادر منه، فلا يحل للآخر أن يقتله بناء على هذا الأمر١.

عند المالكية:

يرى المالكية أن التحكيم لا يجوز إلا في قضايا الأموال والجراح، سواء أكانت عمدا أم خطأ، ولو كانت الجراح عظما كقطع اليد أو الرجل، ويرون أن كل الحدود لا يجوز التحكيم فيها، وبناء على هذا فإن حد القذف لا يجوز التحكيم فيه، وقد عللوا لعدم جواز التحكيم في الحدود مطلقًا بأنه قد تعلق بها حق لغير الخصمين، فالحدود حق لله تعالى شرعت للزجر عن اقتراف الجرائم التي تستوجبها٢.

وكذلك يرى المالكية أن التحكيم لا يجوز في القصاص، وعللوا لهذا بنفس التعليل الذي عللوا به في جانب الحدود، وهو أن الحق في القصاص لله تعالى؛ لأن القصاص إنما شرع للزجر عن الاعتداء على حياة الإنسان.


١ فتح القدير، للكمال بن الهمام، وشرح العناية على الهداية للبابرتي، ج٧، ص٣١٨.
٢ الشرح الكبير، ج٤، ص١٣٦.

<<  <   >  >>