للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومع أن الكرابيسي لم يبلغه اختلاف بين العلماء في هذه المسألة فإن فيها في الواقع اختلافا, وإن كان ذلك لم يبلغ الكرابيسي، بيّن هذا الاختلاف ابن حجر العسقلاني وغيره من العلماء، قال ابن حجر العسقلاني، في مجال بيان حكم رزق الحاكم: "ورخص الشافعي وأكثر أهل العلم، وعن أحمد: لا يعجبني، وإن كان، فبقدر عمله مثل ولي اليتيم، واتفقوا على أنه لا يجوز الاستئجار عليه" ا. هـ١.

فنخلص مما ذكرناه أن أكثر أهل العلم يرون جواز أخذ رزق من الخزانة العامة للقاضي، والبعض من العلماء يرون كراهة ذلك، ونقول أيضًا: إن بعض فقهاء الزيدية٢ يرى أنه يحرم الأجرة على القضاء لمن تعين عليه، وكان عنده كفايته من النفقة، فإن لم تكن عنده كفايته وكان ذا حرفة يشغله القضاء عنها حل له أخذ الأجرة دفعا للضرر، فإن لم يتعين وله كفاية كره أخذ الأجرة؛ لأنه قربة.

هذه هي آراء العلماء، وإليك بيانا لدليل كل رأي.

الاستدلال للرأي القائل بكراهة أخذ الأجر على القضاء:

استدل لهذا الرأي بعدة أمور، منها:

أولا: القضاء هو أمر بمعروف ونهي عن المنكر، وكان لا يجوز لمن أمر بمعروف أو نهى عن منكر أن يأخذ على فعله أجرا، فكذلك القاضي لا يأخذ على فعله أجرا؛ لأنه يفصل بين معروف ومنكر، وبين حق وباطل، قال المهلب: "وجه الكراهة أنه في الأصل محمول على الاحتساب لقوله تعالى لنبيه: {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ


١ فتح الباري، لابن حجر، ج١٣، ص١٦١.
٢ البحر الزخار، لأحمد بن يحيى بن المرتضي، ج٦، ص١١٤.

<<  <   >  >>