للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المسلم، وله إذا شاء أن يعيد النظر في القضية بنفسه أو بواسطة قاض مسلم. أما لزوم حكمه لأهل دينه فما ذلك إلا لأنهم التزموه بتحاكمهم إليه، لا إلزامهم به من جهة تقليد القاضي عليهم أي: إن الإلزام بحكمه ليس ناشئًا عن كونه سلطة قضائية ملزمة١.

وقد رجح بعض الباحثين الفضلاء٢ مذهب الحنفية لعدة أمور:

الأول: أن العرف الذي استند إليه الحنفية له أصل شرعي، وهو أن عمرو بن العاص، بعدما فتح مصر ولى القضاء قضاة من بين النصارى ليحكموا بين أهل ديانتهم، ولما بلغ ذلك عمر بن الخطاب أقره, ولم يعلم لهما مخالف من الصحابة، وهذا هو أصل القضاء الملي في البلاد المصرية.

الثاني: أنه يفهم من كلام فقهاء الحنفية أن القول بجواز تولية غير المسلم القضاء بين أهل ديانته إنما هو نوع من التسامح مع أهل الذمة، فلا ينبغي أن يفهم من هذه التولية أكثر من هذا، فلا يفهم منها أنه يجب على رئيس الدولة الإسلامية أو من له حق تولية القضاة أن يولي غير المسلم؛ لأن من الأصول المقررة أن كل ولاية عامة في بلاد الإسلام، إنما تستند إلى المسلمين لا إلى غيرهم، كما لا يفهم منها أن غير المسلمين مجبرون على أن يتحاكموا إلى القاضي غير المسلم؛ لأن لهم الحق في التحاكم إلى القاضي المسلم.

الثالث: أن هذه التولية لا تنفي الصغار عنهم؛ لأن هذه التولية ليست على المسلمين، وإنما عليهم أنفسهم، فالصغار لازم لهم لكفرهم ولأدائهم الجزية، كما أنه ليس في هذه التولية علو على المسلمين؛ لأن العلو لا يتحقق إلا إذا شملت التولية الحكم بين المسلمين، وهذا غير حاصل٣.


١ أدب القاضي للماوردي، ج١، ص٢٢٩، ونهاية المحتاج، للرملي، ج٨، ص٢٣٨، ومحاضرات في علم القضاء، لأستاذنا الدكتور عبد العال عطوة، ص٤٢، وما بعدها مكتوبة بالآلة الكاتبة.
٢ أستاذنا الدكتور عبد العال عطوة في محاضرات في علم القضاء، ص٤٤.
٣ محاضرات في علم القضاء للدكتور عبد العال عطوة، ص٤٤, ٤٥.

<<  <   >  >>