للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على هذا١, ونجد أن ابن جماعة الفقيه الشافعي يقول عند كلامه عن شرط العقل في القاضي "ونعني بالعقل صحة التمييز وجودة الفطنة والذكاء"٢. وفي فقه الشيعة الإمامية نجدهم يشترطون في القاضي كمال العقل٣.

وجمهور العلماء لا يحددون للفطنة حدا معينا، لكن بعض فقهاء المالكية يرى أنه من المستحب أن لا يكون القاضي زائدا في جودة الذهن والرأي عن عادة الناس، وقد علل لهذا الرأي بأنه يخشى أن يحمله جودة رأيه وفكره على الحكم بين الناس بالفراسة٤، وترك قانون الشريعة من طلب البينة "الشهود" وتجريحها وتعديلها، وطلب اليمين ممن توجهت إليه، وغير ذلك٥.

ويجاب عن هذا بأنه على العكس من ذلك، فإن المطلوب أن يكون القاضي زائدا في الفطنة والدهاء عن عامة الناس؛ لأن ذلك يؤدي إلى سرعة الوصول إلى الحق في القضايا المطروحة أمامه، ويؤيد هذا أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- أسرع في تولية كعب بن سور القضاء عندما ظهرت له زيادة فطنة عنده، فقد


١ مواهب الجليل، لشرح مختصر خليل، للخطاب، ج٦، ص٨٨، وحاشية أحمد بن عبد الرازق المعروف بالمغربي الرشيدي على شرح نهاية المحتاج للرملي، ج٨، ص٢٣٨.
٢ تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام لمحمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة، تحقيق الدكتور فؤاد عبد المنعم، ص٨٨، الطبعة الأولى، ١٤٠٥هـ، ١٩٨٥م.
٣ شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، للحلي جعفر بن الحسن، ج٤، ص٦، منشورات دار الأضواء، بيروت.
٤ الفراسة هي الاستدلال بالأمور الظاهرة على الأمور الخفية، كالاستدلال بشكل المرء ولونه، وقوله على خلقه. فيستدلون باتساع الجبين على الذكاء، وبعرض القفا على الغباء، وبضيق العين على الشح، وبغلظ الشفتين على الإسراف في الحب والبغض، تاريخ الأدب العربي للأستاذ أحمد حسن الزيات هامش، ص١١.
٥ الشرح الكبير للدردير، وحاشية الدسوقي عليه ج٤، ص١٣٢.

<<  <   >  >>