[الفصل الخامس أثر الجهود السابقة في حفظ كتاب الله من التحريف والتبديل]
[حفظ القرآن شكلا ومضمونا]
لقد كان لتلك الجهود المتلاحقة، في خدمة كتاب الله تعالى شكلا ومضمونا، منذ عهد النبوة إلى يومنا هذا، كبير أثر في حفظه سليما من كل زيغ، وبقي كما أراد الله تعالى له أن يبقى، لم تمتد إليه الأيدي تحريفا أو تبديلا، لا في لفظه ولا في معناه، بل بقي محافظا على روحه وجسمه، يأخذه المسلمون كابرا عن كابر، أداء وحفظا وكتابة، والعقد بينهم وبين مصدره الأول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الذي تلقّاه من وحي الله تعالى، لم ينقطع، والكلّ حذر من أن يدخل على كتاب الله عزّ وجلّ شيء ليس منه، أو أن يخرج منه شيء من ذاته أو وصفه.
اهتمام النبيّ صلّى الله عليه وسلّم والصحابة من بعده:
فهذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يسابق الملك في حفظه وقراءته وهو يوحى إليه حتى ينهى عن ذلك لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة: ١٦] ثم يأمر بما نزل أن يكتب لفوره، وينهى أن يكتب عنه شيء غير القرآن بادئ الأمر، ويقبل الصحابة على حفظه واستظهاره، واستنساخه وكتابته، ويتّخذ الكثير منهم مصحفا لنفسه خاصّا به، يرجع إليه لتثبيت حفظه وضبطه، ولا يمضي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى ربه، إلا والقرآن- كما علمت- محفوظ بكامله في الصدور، ومكتوب بأجمعه في السطور.