ومرغوبا عنه، كل ذلك حسب ما تقتضيه المصلحة في حفظ كتاب الله. قال النووي رحمه الله تعالى: نقط المصحف وشكله مستحبّ، لأنه صيانة له من اللحن والتحريف «١».
[دراسات وعلوم تصون القرآن]
وهكذا تجد أن الجهود لا تفتأ تبذل لصون كتاب الله تعالى، وحسبك في هذا المجال أن علم النحو لم يقعّد ولم يدوّن إلا خدمة لضبط القرآن وحفظه من التحريف أو التبديل، بل إن علوما عربية أخرى قامت في جلّها خدمة للقرآن أو نبعت من مضمونه.
ومن جملة الجهود التي بذلت، وكان لها أثر في حفظ كتاب الله تعالى، ما قام به العلماء من الأمة من إحصاء عدد آيات القرآن وكلماته وحروفه. بل وصل الحذر والحيطة بهم أن أحصوا ما فيه من شدّات وغيرها من الحركات، وما فيه من كل حرف من الحروف، إلى غير ذلك مما فيه صون له وتحصين.
أضف إلى ذلك كلّه تلك التفاسير وكتب الفقه والحديث وغيرها من العلوم الإسلامية، التي تنبث فيها آيات القرآن، بحيث يعجز أهل الأرض عن جمعها، لو أرادوا أن يحرّفوا شيئا من القرآن أو يبدلوه.
[المعجزة الإلهية]
هذا إلى جانب ما رأيت من تشدّد الجمهور من العلماء والأئمة في المحافظة على رسم القرآن على الكتبة الأولى وعدم تجويزهم كتابته بما يخالف ذلك الرسم، حتى يحفظ كتاب الله تعالى من التغيير والتبديل حتى ولو في الشكل والمظهر، فضلا عن المضمون والجوهر، وهكذا فقد بقي القرآن كما كان، وكما أنزل على
(١) التبيان في آداب حملة القرآن؛ للنووي (ص ٩٧) طبعة مؤسسة علوم القرآن، ودار التراث ١٤٠٣ هـ.