من المعلوم أن الأصل في الكلام الحقيقة، وقد يصار إلى المجاز لنكتة بلاغية، ولا خلاف في وقوع الحقائق في القرآن، وهي: كل لفظ بقي على موضوعه ولا تقديم ولا تأخير فيه، وهذا أكثر الكلام «١».
وأما المجاز فالجمهور على وقوعه في القرآن، وقد اتّفق البلغاء على أن المجاز أبلغ من الحقيقة «١»، وهو قسمان:
الأول- المجاز العقلي، وعلاقته المشابهة، وهو واقع في التركيب، وذلك:
أن يسند الفعل أو شبهه إلى غير ما هو له أصالة لمشابهته له.
وأمثلة هذا القسم كثيرة في القرآن، منها:
قوله تعالى: فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ [القارعة: ٩] فتسمية الأم ب (الهاوية) مجاز، أي: كما أن الأم كافلة لولدها وملجأ له، كذلك النار للكافرين كافلة ومأوى ومرجع؛ وهذا فهم سديد، خصوصا إذا وقفنا عند هذا التركيب وحده، ولم ننظر إلى ما قبله من الآيات.
فإذا نظرنا ما قبله وقرأنا الآيات كلها: وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ (٨) فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ (٩) وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ (١٠) نارٌ حامِيَةٌ [القارعة: ٨ - ١١].
تجلّى لنا منها معنى آخر لطيف، فالأعمال المعنوية جسّمت ووزنت بموازين