كما يلاحظ- أيضا- أن هذا التّكرار متناسق كل التناسق مع السياق الذي وردت فيه، مما يجعل القارئ المتأمّل لكتاب الله تعالى يشعر وكأنّه أمام قصّة أو خبر لم يكن ليسمع به من قبل، ويتنبّه إلى فوائد وعبر لم تكن لتخطر منه على بال.
وخذ مثالا على ذلك: قصّة موسى عليه السلام- مع فرعون وقومه أو مع بني إسرائيل- وهي أكثر قصص القرآن تكرارا، وانظر كيف أنها في كل موطن ذكرت فيه- أو أشير إليها- أفادت موعظة خاصّة، وعبرة فريدة، اقتضاها السياق القرآني، تختلف عما أفيد منها في موطن آخر.
[٢ - جمال القصة في التكرار]
وقصّة موسى عليه السلام نموذج للقصص القرآني- ومثلها غيرها- فمن تأمّلها بإمعان ودقة علم أن التّكرار في القرآن ليس تكرارا مطلقا، من شأنه أن يبعث الملل في
نفس القارئ أو السامع، بل إنه تكرار أكسب القصّة القرآنية جمالا فنيا وروعة أسلوب. وخذ مثالا على ذلك: قصص الأنبياء، فإنّ عرض هذا الشريط من قصصهم مرّات متعدّدة بتعدد أغراضها، يخيّل للمتأمّل أنه نبيّ واحد، وأنها إنسانية واحدة، على تطاول الأزمان وتباعد الديار، كلّ نبيّ يبعث يمرّ وهو يقول كلمته الهادية يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ [الأعراف: ٥٩]، فتكذّبه هذه الإنسانية الضّالّة، ثم يمضي ويجيء تاليه، فيقول نفس الكلمة، ثم يمضي، وهكذا لا يختلف الموقف ولا تختلف النتيجة من نصرة الحق ودحر الباطل.
ب- العرض بالقدر الذي يحقق الغرض:
تبعا للغرض الذي سيقت من أجله القصة القرآنية، نجد القرآن تارة يذكر القصة بكامل تفصيلاتها، وتارة يكتفي بذكر ملخص عنها أو إشارة إليها، وتارة يتوسط بين هذا وذاك، وربما اكتفى أحيانا بعرض حلقة من حلقاتها، أو مشهد من مشاهدها، وكل ذلك خاضع- كما قلنا- لما في حلقات القصة وجوانبها من أهمية وعظة.