تمتاز الكلمة التي تتألف منها الجمل القرآنية بالميزات التالية:
أ- جمال توقيعها في السمع: فليس في القرآن لفظ ينبو عن السمع، أو يتنافر مع ما قبله أو ما بعده، فالكلمة القرآنية في الذروة من الفصاحة، وهي تحمل المعنى في طياتها، واقرأ إن شئت قوله تعالى: أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها (٢٧) رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها [النازعات: ٢٧ - ٢٩] وانظر إلى كلمة (أغطش) كيف أنها تقدم لك المعنى في تلافيف حروفها قبل أن تقدمه في معناها اللغوي المحفوظ، وفي الوقت نفسه هي منسجمة مع ما قبلها وما بعدها من الألفاظ، لا ثقل فيها ولا إغراب، وكذلك بقية ألفاظ الآية، فكلها توقع على السمع موسيقا رائعة في منتهى الجمال.
ب- اتساقها مع المعنى، وكأن القارئ يشم منها رائحة المعنى المطلوب، أو يلحظ فيها إشراقا يصور المعنى أمام العين. اقرأ قوله تعالى: وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ [التكوير: ١٧ - ١٨] ثم انظر كيف أنك تشم رائحة النهار من كلمة (تنفس).
ج- اتساع دلالتها، لما لا تتسع له دلالات الكلمات الأخرى من المعاني والمدلولات عادة، بحيث يعبر بكلمة واحدة عن معنى لا يستطاع التعبير عنه إلا ببضع كلمات أو جمل. وخذ مثالا على ذلك قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ (٧١) أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَها أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِؤُنَ (٧٢) نَحْنُ جَعَلْناها تَذْكِرَةً وَمَتاعاً لِلْمُقْوِينَ [الواقعة:
٧١ - ٧٣]. أراد الله تعالى أن يحدثنا في هذه الآية عن مظاهر نعمته علينا، ومن جملتها النار، فنبهنا إلى مختلف فوائدها لحياتنا على اختلاف أطوارها، فعبر عن ذلك بكلمة (المقوين) التي تحمل كل المعاني التي يمكن أن يعبر بها عن فوائد النار، فهي: جمع مقو، وهو المسافر، والجائع، والمستمتع، والنار إنما يستفيد