القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كلّ أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق «١».
هذا الحديث الصحيح يجمل لنا ما قام به عثمان رضي الله عنه من خدمة لكتاب الله عزّ وجلّ، وما كان له من أسباب، وما انتهى إليه من نتائج، وإليك تفصيل ذلك.
[١ - أسباب عمل عثمان رضي الله عنه]
أ- من المعلوم أن الفتوحات الإسلامية أيام عثمان رضي الله عنه كانت قد اتسعت، وتفرّق المسلمون في البلدان والأمصار، ونبت جيل مسلم جديد يحتاج إلى دراسة القرآن، وكان أهل كل إقليم يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة، الذين تلقوا القرآن عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بلهجاته المختلفة وأحرفه السبعة التي نزل عليها، وكان من الطبيعي أن يوجد بينهم اختلاف في طرق الأداء ووجوه القراءة.
وبسبب تباعد الديار وبعد عهد الناس بالنبوة، كاد هذا الاختلاف في أوجه القراءات يحدث بينهم شقاقا ونزاعا، يظهر حين التقاء الناس وخاصة في المغازي أو المواسم، إذ إن الأحرف السبعة لم تكن معروفة لدى أهل تلك الأمصار.
ب- وساعد على هذا الاختلاف وجود عديد من المصاحف الخاصة- إلى جانب تلك الصحف التي وضعت عند حفصة رضي الله عنها- كان بعض الصحابة قد كتبها لنفسه ثم اشتهرت بين الناس، ومن أشهرها: مصحف أبيّ بن كعب ومصحف عبد الله بن مسعود، ولذلك نجد أن هذا الاختلاف والنزاع قد شمل كلّ الأمصار حتى المدينة نفسها.