روى البيهقي بسنده إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لمّا قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قلت لرجل من الأنصار: هلمّ فلنسأل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فإنهم اليوم كثير. فقال: يا عجبا لك يا ابن عباس! أترى الناس يفتقرون إليك وفي الناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من فيهم! قال: فترك ذلك، وأقبلت أنا أسأل أصحاب رسول الله، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل- نائم في وسط النهار- فأتوسّد ردائي على بابه، يسفي الريح عليّ من التراب، فيخرج فيراني فيقول: يا ابن عم رسول الله، ما جاء بك؟ هلّا أرسلت إليّ فآتيك؟ فأقول:
لا ... أنا أحق أن آتيك، قال: فأسأله عن الحديث. قال: فعاش هذا الرجل الأنصاري حتى رآني وقد اجتمع حولي الناس يسألوني، فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني «١».
قال عطاء: ما رأيت مجلسا أكرم من مجلس ابن عباس ولا أكثر فقها ولا أعظم هيبة، أصحاب القرآن يسألونه، وأصحاب العربية يسألونه، وأصحاب الشعر يسألونه، فكلهم يصدر في واد واسع.
[٣ - مكانته في التفسير]
لقد دعا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لابن عباس أن يفقّهه الله تعالى في الدين، ويعلمه فهم القرآن وتأويله، فأصابه دعاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولقد أعطاه الله لسانا سئولا وقلبا عقولا، فكان يسأل أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن القرآن وما نزل منه، حتى أضحى أعلم الناس بالقرآن.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس. وقال عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما: ابن عباس أعلم الناس بما أنزل على محمد صلّى الله عليه وسلّم.