ولا منقوطة، فقوله تعالى: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات: ٦] يصلح للقراءتين المتواترتين (فتبينوا) و (فتثبتوا)، وكذلك قوله تعالى: وَانْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها [البقرة: ٢٥٩] تصلح لأن تقرأ (ننشزها) و (ننشرها) كما هو ثابت.
وإذا لم تكن كل نسخة من النسخ جامعة لهذه المزية، فقد كانت النسخ بمجموعها تحقق هذا الغرض. وبيان ذلك: أنه إذا لم يكن الرسم للكلمة صالحا لأوجه القراءات فقد كانوا يكتبونها في بعض النسخ برسم يدلّ على قراءة، وفي بعض آخر برسم آخر يدلّ على القراءة الثانية.
ومثال ذلك: قوله تعالى: وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ [البقرة: ١٣٢] فقد ثبتت قراءتها بالهمز (وأوصى) كما ثبتت بالتضعيف (ووصى) ولذا كتبت في نسخة بالهمز، وفي أخرى بالتضعيف.
ومثلها أيضا: قوله تعالى: لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ [التوبة: ١٠٠] فقد ثبتت قراءتها أيضا (من تحتها) بإضافة (من).
ولم يكونوا في مثل هذه الحالات ليكتبوا الرسمين في نسخة واحدة، حتى لا يتوهم أن اللفظ مكرر، أو أن الثاني تصحيح للأول.
[٤ - تحريق الصحف والمصاحف المخالفة]
وما أن انتهت اللجنة من عملها حتى سارع عثمان رضي الله عنه إلى الأمر بكل مصحف أو صحيفة، سوى صحف حفصة رضي الله عنها، أن يجمع ويحرق دون أن يبقي على شيء منه، سواء أكان ذلك في المدينة أم في غيرها من الأمصار.
وقد تمّ ذلك الأمر، ولم يعارض فيه أحد، إلا ما كان من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في بادئ الأمر، ثم عاد إلى التزام أمر الخليفة رضي الله عنهما. وكان الغرض من ذلك: أن يقطع مادة النزاع، ويحصر اعتماد المسلمين على الجادّة القويمة في كتاب الله عزّ وجلّ.