العربية وفي الأمة العربية وإيضاح معنى الترجمة، وأسباب استحالتها، وبيان حكمها الشرعي، والنتائج الخطيرة المترتبة عليها، وما يغني عنها، والله ولي التوفيق.
[أولا: الحكمة من إنزال القرآن الكريم باللغة العربية]
اصطفى الله محمدا صلّى الله عليه وسلّم ليكون الرسول الخاتم بين يدي الساعة، واختار الله قومه العرب ليكونوا حملة الرسالة ودعاة الإسلام إلى الإنسانية جمعاء، وكانت
الأمة العربية عند انبثاق فجر الإسلام تعيش جاهلية جهلاء في معتقداتها وعاداتها وحروبها، ولكنّها وصلت إلى حضارة لغوية متميزة، تجعلها أهلا لنزول الوحي الإلهي المعجز بلسانها، قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ [إبراهيم: ٤].
ومن هنا كانت معجزة الرسول الكبرى القرآن الكريم، من جنس ما اشتهر به قومه من الفصاحة والبلاغة، فجاء يتحدّاهم في نفيس بضاعتهم، وأبرز أسباب شهرتهم وتفوّقهم. ونستطيع أن نحدّد الحكمة من اختيار إنزال القرآن الكريم باللّغة العربية بأمرين:
الأول: ما تتمتع به اللغة العربية من مقوّمات اللغات الحيّة وعناصر قوّتها واستمرارها، وذلك من حيث وفرة مفرداتها بالأصالة والاشتقاق، أو بالحقيقة والمجاز. أو من حيث قبولها للتطور والتقدّم الحضاري، أو من حيث مرونة أساليبها، وصلاحيتها لكلّ ما يراد منها، أو من حيث فصاحة ألفاظها وبلاغة تراكيبها.
الثاني: لو تنوّع النظم المنزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حسب اختلاف ألسنة الأمم، لأدى هذا إلى الاختلاف والتنازع، ولتطرق التحريف إلى الكتاب المنزل، بل يقرب من المحال أن يتّحد هذا المنزل مع تعدّد اللغات، وتنوع اللهجات، وتعدّد الخصائص والدلالات، بالنسبة لاستنباط الأحكام، ورسم المنهج، ومعرفة الحدود، وإحكام جميع العبادات والتشريعات.