يومنا هذا، ويسمّون الخلف أو (المؤوّلة)، يقولون: نؤوّل معاني هذه المتشابهات بالاستعانة بآيات أخرى وأساليب البيان، فيقولون في قوله تعالى:
الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: ٥] ننزّه الله تعالى عن الجلوس واتّخاذ حيّز ومكان، ثم نرى أن المراد بها إثبات الملك والسلطان التام لله تعالى، فإذا ملك أكبر المخلوقات- العرش- ملك ما دونه.
والذي دفع الخلف إلى هذا التأويل وأمثاله هو اختلاط فكرة اليهود المجسّمة لله تعالى بأفكار بعض الزائغين من المسلمين، وتعلّق بعض آخر بظواهر النصوص، وفهمها فهما مستقلا عن غيرها، علما أنها تمثّل جميعها وحدة كاملة.
قال الله تعالى في حق اليهود وأمثالهم: وَما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: ٦٧].
ج- وذكر الإمام السيوطي مذهبا ثالثا سوى مذهبي السلف والخلف، وهو مذهب المتوسطين، فقال: وتوسّط ابن دقيق العيد فقال: إذا كان التأويل قريبا من لسان العرب لم ينكر، أو بعيدا توقّفنا عنه، وآمنا بمعناه على الوجه الذي أريد به مع التنزيه، وما كان معناه من هذه الألفاظ ظاهرا مفهوما من تخاطب العرب قلنا به من غير توقيف، كما في قوله تعالى: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:
٥٦] فنحمله على حق الله تعالى وما يجب له «١».
قلت: وعلى هذا يتفق السلف والخلف والمتوسطون على مرادات واحدة في بعض الآيات المتشابهات، ففي قوله تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ (٢٦) وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ [الرحمن: ٢٦ - ٢٧] يبقى ذاته سبحانه. وفي قوله تعالى:
فَأَتَى اللَّهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ [النحل: ٢٦] يقولون: أتى عذاب الله تعالى المستحقين له.