الثابت بالنص، مع بقاء النص مما يتلى من القرآن ويتعبّد بتلاوته، ويثبت بين دفتي المصحف.
ومثال هذا النوع: قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ [البقرة: ٢٤٠]. فإن هذه الآية مثبتة في المصحف، وتلاوتها متواترة على أنها قرآن يتعبد بتلاوتها وتصحّ بها الصلاة، مع أن الحكم الثابت بها، وهو وجوب التربّص حولا كاملا لمن توفي عنها زوجها، منسوخ بقوله تعالى: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً [البقرة: ٢٣٤].
فقد أوجبت على المتوفى عنها زوجها أن تعتدّ أربعة أشهر وعشرة أيام، وقد ثبت أنها متأخرة بالنزول عن الأولى، فدلّ ذلك على أن حكم الأولى منسوخ، وإن بقيت تلاوتها.
النوع الثالث: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، أي إن الحكم الثابت بالنص يبقى العمل به ثابتا ومستمرا، وإنما يجرّد النص عما يثبت للقرآن المتلو من أحكام، كالتعبّد بتلاوته وصحة الصلاة به وغير ذلك، ولا يثبت في المصحف.
ومثال هذا النوع: ما رواه البخاري ومسلم «١» وغيرهما عن عمر بن الخطاب وصحّحه ابن حبّان، عن أبيّ بن كعب، رضي الله عنهما، أنهما قالا: كان فيما أنزل من القرآن «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم».
والمراد بالشيخ والشيخة الثّيّب من الرجال والنساء، وهذا الحكم، وهو رجم الثّيّب من الرجال والنساء إذا زنى ثابت ومحكم ومعمول به. علما بأن هذه الآية لم
(١) رواه البخاري في المحاربين (٦٤٤١) دون ذكر لفظ الآية المنسوخة. وقد وردت عند مالك في الموطأ (٢/ ٨٢٤) والحاكم في المستدرك (٤/ ٣٦٠).