للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السحيق من حين خلق الله آدم عليه السلام إلى مبعثه صلّى الله عليه وسلّم، فقد أتى بكثير من الأخبار التاريخية التي ضاعت صورتها الحقيقية في أخلاط التاريخ القديم للأمم، وكثير من هذه القصص وتلك الأخبار لم يكن يعرفه العرب، ولم يوجد إلا بعض منه في الكتب السماوية السابقة على اختلاف فيما بينها، فأتى القرآن وتحدّث بدقة عن ذلك، وحكى هذه الأخبار حكاية من شاهدها وحضرها، ولم يوجد في التاريخ شيء يصح الاعتماد عليه- أو لا يصح- يخالف ما جاء في القرآن من هذه الأخبار. بل قد جاءت دلائل الآثار الأرضية- بعد قرون من نزوله- فصدقت حقائقها- التي توصل إليها علماء الآثار- الصور الخبرية التي جاءت في القرآن الكريم.

ومثال ذلك: كشف علم التاريخ حديثا أن بني إسرائيل- في دور من أدوار حلولهم مصر القديمة- استحسنوا العقيدة التي كانت تقول: إن العزيز ابن الله، وهذه الحقيقة التاريخية لم تكن معروفة لدى بني إسرائيل أو غيرهم عند نزول القرآن، ولكنا نجده يقررها بقوله تعالى: وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ [التوبة: ٣٠] حتى قال اليهود عند سماع هذه الآية: إن القرآن يقول لنا ما لم نقل في كتبنا ولا في عقائدنا «١».

ب- الإخبار عن المستقبل: لقد أخبر القرآن الكريم عن أمور أنها ستقع فكانت كما أخبر بها، وواضح أن ذلك مما لا يقدر عليه البشر ولا سبيل لهم إليه، وهذا النوع من الأخبار في القرآن كثير، ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهادُ [آل عمران: ١٢]. نزلت في بني قينقاع حين قالوا لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا يغرنّك من نفسك أنك قاتلت نفرا من قريش أغمارا لا يعرفون القتال، إنك والله لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس وأنك لم


(١) انظر الدر المنثور (٤/ ١٧٢).

<<  <   >  >>