للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه؟ ولست أفتري عليه فإنه القائل في الصفحة السابعة والعشرين من كتابه "أدرس هذا العصر درسًا جيدًا وأقرأ بنوع خاص شعر الشعراء وما كان يجري في مجامعهم من حديث تدهشك ظاهرة غريبة هي ظاهرة الإباحة والإسراف في حرية الفكر وكثرة الازدراء لكل قديم سواء أكان هذا القديم دينًا أم خلقًا أم سياسة أم أدبا. فقد ظهرت الزندقة وانتشرت انتشارًا فاحشًا اضطر الخلفاء من بني عباس إلى أن يبطشوا بالشعراء والكتاب لأنهم اتهموا بالزندقة، وظهر ازدراء الأدب القديم والعادات العربية القديمة والسياسة العربية القديمة، بل ظهر ازدراء الأمة العربية نفسها وتفضيل الأمة الفارسية عليها، وكانت مجالس الشعراء والكتاب والوزراء مظهرًا لهذا كله. وليس يعنينا أن تكون النهضة السياسية الفارسية، وحرصها على الانتقام من العرب والاستئثار دونهم بالسلطان مصدر هذا التغيير وإنما الذي يعنينا أن هذا التغيير قد وجد وقوي حتى ظهر في الشعر ظهورًا جعل إنكاره مستحيلا.

ولم يكف الدكتور طه أن يعمد إلى طائفة معينة من شعراء العباسيين وأن يرسم من سيرتهم صورة يزعمها صورة العصر بل هو ينكر أن غير هؤلاء من العلماء أو الشعراء يمثل العصر العباسي واقرأ له قوله في ص٥٠ من هذا الكتاب "فقد بينا في هذا الحديث أن هؤلاء الشعراء كانوا يمثلون عصرهم حقا وكانوا أشد تمثيلا وأصدق لحياته تصويرًا من الفقهاء والمحدثين وأصحاب الكلام وأن هؤلاء العلماء على ارتفاع أقدارهم العلمية ومنازلهم الاجتماعية والسياسية وعلى أن كثيرًا منهم كان ورعا مخلصا طيب السيرة لم يأمنوا أن يكون من بينهم من شك كما شك الشعراء ولها كما لها الشعراء واستمتع بلذات الحياة "في سر" كما استمتع بها الشعراء في جهرهم.

<<  <   >  >>