في أوائل عام ١٩٢٥ كانت تركيا قد ألغت الخلافة وقام في العالم الإسلامي عراك سياسي ضخم حول إعادة الخلافة. وتقدم الشريف حسين فدعا إلى نفسه بالخلافة، في مصر قام الأزهر بحملة كبرى دعا فيها إلى عقد مؤتمر لبحث الخلافة ورددت الصحف أن الملك فؤاد أصلح ملوك العالم الإسلامي لحمل لواء الخلافة وفي هذه الفترة كان الملك عبد العزيز آل سعود قد استولى على الحجاز ودعا إلى عقد مؤتمر إسلامي في مكة.
وفيما كانت هذه المعركة تشغل الصحف والهيئات السياسية وتجد مداها في الصحف الأجنبية المختلفة, كان هناك تيار خفي يجري خلف واجهة حزب الأحرار الدستوريين يحمل لواء الدعوة إلى مهاجمة الخلافة والحيلولة دون قيامها ومعارضة رغبة الملك فؤاد في أن يصبح خليفة للمسلمين.
وقد أخذ هذا التيار صورة علمية عندما أذاع الشيخ علي عبد الرازق قاضي محكمة المنصورة الشرعية في يونيه ١٩٢٦ كتابه الذي أثار ضجة كبيرة إذ ذاك، "الإسلام وأصول الحكم" والذي حاول فيه أن يثبت بالأدلة المختلفة أن الخلافة ليست أصلا من أصول الإسلام، وكان الشيخ عبد الرازق واحدا من أسرة عبد الرازق التي كانت دعامة من دعائم حزب الأمة قبل الحرب العالمية الأولى ثم حزب الأحرار الدستوريين من بعدها.
وقد أثار كتاب "الإسلام وأصول الحكم" جدلا وضجة شديدين حيث قامت هيئة كبار العلماء بالتحقيق مع المؤلف الذي هاجمته صحف الوفد وهاجمه علماء الأزهر والغيورون على بقاء الخلافة كنظام من أنظمة الإسلام التي وافقت تطوره على الطريق الطويل.
وقد انتهى التحقيق بأن أخرج علي عبد الرازق من زمزة العلماء في أغسطس ١٩٥٢ ومصادرة كتابه ووقعت من أجل هذا الكتاب أزمة أدت إلى استقالة الأحرار الدستوريين من الوزارة القائمة إذ ذاك.
وليس يعنينا هنا إلا جانب المعركة الفكرية التي قامت حوله. أما أثره الفكري فذلك مكانه كتابنا "قضايا الفكر وتيارات الثقافات في الأدب العربي المعاصر".