ليس من الهنات الهينات ولا من تافه الأشاغيل أن يسوقك الحظ العاثر يوما إلى النزول مع شيخ العروبة في ميدان مناظرة وبحث لتقرير الحقيقة في شأن علمي.
ذلك لأنك إذا خضت معه هذا الغمار استهدفت لغمزات شتى من سنان قلمه الجارح، فمن من عليك وتعبير لك بأنك إنما من بحر علمه اغترفت إلى تشهير بك وانحاء باللوم والتعنيف عليك لأنك لم تؤد إليه صاغرًا إتاوة الشرك لقاء ما غمرك به من فيوض إحساناته العلمية, ومن تفاخر بأنه القابض وحده على مفاتيح التحقيقات العلمية واللغوية، والمالك لناحية البحوث الأفدلسية، والملهم في دياجير الأخطاء بالتوفيق لنور الصواب والحق، إلى اتهام لك بالجهل وانتحال علم ما لا يعلم. فهو يرى إذًا أن العلم وما يتصل به من تحقيق وتمحيص تراث أوصت له به الحكم الأزلية وميراث خلص له من غضون الأجيال السابقة. ليس لأحد من مخلوقات الله أن يرمقه بعينه أن يشرئب إليه بعنقه. وهذه هي الغاية لا متجاور بعدها للصلف وتصغير الخد وحب الأثرة التي جاء في ذمها ما لا يحصى من أحاديث شريفة وحكم بالغة نطق بها الفلاسفة وأرباب الدراية بالتربية النفسية والتثقيف العقلي.
وإذا أنت في مناقشتك إياه أخذته بالهوادة القائمة على أساس وطيد من أدبك العالي وخلقك الرضي الكريم فقلت له مثلا أنت سيدي وأستاذي وأنت نسيج وحدك في العلم ومنقطع القرين في الفضل, وبذلت له في هذه السبيل